رواية روح بلا مأوى للكاتبة سارة فتحي هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية روح بلا مأوى، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.
رواية روح بلا مأوى من الفصل الاول للاخير بقلم سارة فتحي
لماذا ؟؟
سؤال يثقل كاهلنا وتظل اجابته فى سردايب روحنا
***
الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل
وضعت الهاتف على الفراش وابتلعت بصعوبة وتسللت
على اطراف اصابعها نحو المطبخ وفتحت احد الادراج
وتناولت المدلاك الخشبى (النشابة) وتوجهت نحو باب
الشقة تسترق السمع وتأكدت لها ظنونها عندما نظرت
من عين المراقبه من خلف الباب عزمت امرها وفتحت
وفى لمح البصر كانت تنزل بالمدلاك فوق رأس ذلك
الشخص فوقع ارضًا، تلفتت يمينًا ويسارًا خشيًا من أن يراها أحد ثم سحبته للداخل
****
فى صباح اليوم التالى فرق جفنيه بصعوبة ومضات خاطفة وعقله فى وقف زمنى عن الوقت الحاضر حاول استرجاع ما حدث ليلة أمس لكنه شعر بألم شديد فى رأسه حاول رفع يده لكن انقبضت ملامحه بصدمة شديدة
عندما وجد نفسه مقيد بالاحبال على مقعد خشبى فى وسط البهو، ثوانٍ وكانت تتقدم بكل ثبات
وبيديها كوب قهوة ترتشف منه بعض رشفات ثم
اقتربت بتهمل تجلس على المقعد امامه
أما هو كان يزفر ساخطًا ولاعنا وهو يتحرك بعشوائية
فى محاولة لفك قيوده ثم نظر لها متسائلًا :
-انتى مين ؟!
رفعت السبابه وهى تهزها بالنفى قائلة :
- لأ لأ السؤال مش كده انت اللى ميين ؟!
ده انا هوديك فى ستين داهيه
ضحك باستهزاء وهو يرمقها من الاعلى للاسفل :
- فكينى احسلك انتى متعرفيش انا مين ؟!
حدجته بغيظ قائلة باستخفاف:
- حرااامى يعنى هتكون مين ؟!
انت عارف انا هعمل منك عبره لزملائك الحراميه
تحولت حالته من الحنق والغضب إلى الجمود ثم ابتسم
بتهكم :
- واثقه اوى من نفسك انتى ؟!
عايز اعرف هتودينى فى ستين داهيه ازاى ؟!
وهتعملى منى عبره ازاى ؟!
الغضب استفحل نبرتها الباردة وانفجرت هادرة فى وجهه :
- ازاى ؟!
حضرتك كنت بتتهجم عليا فى شقتى الساعة ١٢ بليل
عرفت انا ممكن اوديك فى داهيه ازاى
تحكم فى اعصابه بصعوبة قائلًا :
- مش لما تبقى شقتك من اساس
رفعت عيناها ببهوت، نبرة الثبات فى صوته زعزعت
ثقتها بداخلها :
- مش فاهمة انت تقصد ايه ؟!
انت مين اصلًا ؟!
ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يجيبها بكل قوة و ثقة :
- انا كنان زهير الغامدى ابن صاحب الشقة ديه
عرفتى انا ميين، دلوقتى تفكينى عشان نشوف مين
اللى هيودى التانى فى داهيه
***
بعد مرور ساعة الجم الصمت لسانها وهى تجلس امامه
رفعت عيناها تطالعه عضلات صدره تنقبض و تنبسط
دلالة على كتم غيظه، ثوانٍ وهدر فى وجهها بعنف :
- أييييه هنفضل كده كتير نشاهد جمال بعض
عارضته بضعف شديد وبعض التمرد فى جرتا العسل خاصتها :
- انا مش حراميه على فكره الموضوع بس ظروف
حصلتلى لكن الشقة زى ما هى انا ماخدتش منها
حاجه والمفتاح اهو وانا همشى
نهضت واقفه لكنه خبط بعنف على الطاولة التى امامه
وهو يزمجر بحده قائلًا :
- انتى رايحه فين يا بت انتى هى بالسهوله كده . انتى ايه حكايتك
انتى شكلك نصابه وانا هتصل بالبوليس
ارتجف بدنها حين شعرت بصدق كلامه جلست ثانيةٍ
وطافت بعينيها بالمكان تبحث عن الثبات امامه تنحنحت بحرج قبل أن تهمس :
- انا اسمى كيان انا مش حراميه حضرتك بس كل الحكايه إنى
كنت ساكنه فى العماره اللى أول الشارع اللى
كانت واخده الناصيه اللى وقعت بسكان السنه اللى فاتت
وانا كنت ساكنه مع خالة ماما الله يرحمها اتوفت
من سنتين هى كانت على طول كل ما نعدى
من تحت العماره هنا تقولى ان صاحبتها ساكنه هنا
وصاحبتها سافرت من زمان وان الشقه فضلت
مقفوله على امل انهم يرجعوا تانى على الاغلب تقصد جدتك، فجاءة بعد ما بقيت ماليش مكان اروح فيه رجلى جبتنى
وقفت تحت العمارة طلعت وعرفت افتح الباب
وقولت انا مرات ابن صاحب الشقة بس والله انا ما عملت حاجه انا دفعت الفواتير كلها وظبطت كل حاجه
فى الشقة هنا صدقنى انا همشى مفيش
داعى للبوليس لولا العماره اللى اتهدت وصاحبها منه لله
استحالة كنت هعمل كده
صمت صمت كل ما تلقته منه فنهضت مسرعه للداخل
تحزم حقيبتها وترحل لتبحث لها عن مأوى ..
اما هو انحبس مصدر الهواء من رئتيه، أيعقل أن يهرب
من تأنيب الضمير والذنب حتى يلاحقه هكذا
امتعضت ملامحه وذكريات سيئة تذكره بما مضى
تزيده تمسكًا بقراره، رمق باب الغرفة وهو يفرك وجه
ولا يعلم ما عليه فعله، قطع شروده صوت الجرس
فتوجه نحو الباب وادار المقبض وطالع وجه شاب
غريب متسائلًا :
-هى كيان موجودة ؟!
- انت مين ؟! وعايز أيه ؟!
سأله بتوجس بينما اجابه الشاب باريحية وابتسامة واسعة :
- انا جاى حسب معادى معاها
تجهمت ملامحه للنفور والتقزز ثم صرخ به بحدة :
- نعم !!! مفيش حد هنا بالاسم ده اتفضل متجيش
هنا تانى
***
خرجت من الغرفة تحمل حقيبتها فى يديها وتتوجه صوب
الباب لتنسحب بهدوء اوقفها نبرة صوته واتهامه الصريح :
- هى الهانم كانت فاتحه الشقة هنا أيه ؟!
ومستغليه اسمى وحطته فى الطين وبتدى المواعيد للرجاله هنا
اتسعت عين كيان جحوضا لا تصدق بجاحة شفتيه،
القت الشنطة من يديها وهى تصيح بحدة :
- حاسب على كلامك يا حضرة انا مسمحلكش
انت ازاى تتهمنى كده .. انا دخلت هنا عشان معملش
حاجه غلط واترمى فى الشارع
التوت شفتيه بتهكم ثم جلس على اريكه خلفه وهو يضع ساق فوق الاخر قائلًا :
- أومال الأخ اللى كان جاى حسب الميعاد ده أيه ؟!
حاولت كبح محابس عيونها لكنها فشلت وسقط ذلك
القناع الذى تستر ورائه قناع زائف من القوة فهمست بصوت مبحوح من البكاء :
- ده كان مندوب توصيل لان بعمل اكل وببيع اونلاين
وكان المفروض فى اوردر النهارده، انا عارفه انى
غلط انى دخلت الشقة بس عمرى ما اعمل حاجه غلط زى اللى فى بالك
شعر ببعض الندم على تسرعه، التقط مفاتيحه وهاتفه
وانصرف مسرعًا
****
- هوووووبا السد العالى
تلك الكلمة نطقها ضياء صديق كنان وهو يجلس معه فى مطعم فاخر على النيل وهو يطالع فتاة
ذات قوام ممشوق منحوت بينما طالعها كنان من اعلاها لادناه
وهو يحك ذقنه قائلًا
- ديه عبارة عن فلير وبوتاكس
وقبل أن يجيبه دخلت فتاه ببشرة سوداء ذات قوام ممشوق منحوت ايضا
مرسوم ببراعة ضحك كنان قائلًا :
- قابل يا سيدى سد النهضة
قهقة ضياء وهو يغمز له قائلًا :
- لا واحنا كشباب مصرى اصيل وعندنا روح وطنية
عاليه لازم نهدم حصون سد النهضة ولا أيه ؟!
ونحقق النصر ولا أيه ؟!
اجابه كنان بابتسامة وهو يغمز له قائلًا :
- تفتكر؟!!! لو على الروح الوطنية موجودة
واحنا شباب حسه الوطني عااالى، المهم سمعة مصر
نهض ضياء واقفًا وهو يقول :
- عيب ياجدع فين الروح فين الوطنية قوم خلينا
نرفع اسم مصر
جز كنان على اسنانه مردفًا :
- اقعد يا ضييياء بقى مش وقته
جلس ضياء وقلق يعتريه :
- فى ايه يا كنان مالك ؟!
تحدث بوهن وضعف شديدين وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا :
- انا مش هيهدى ليا بال غير لما القى المقاول الحرامى
ده اللى ورط اسم بابا واختفى حتى لو بابا عرف
يقفل الموضوع بمعارفه
زفر ضياء بحنق :
- طب انت سبت البيت عشان
حاجات فى دماغك ومش عايز تقتنع .. ايوه باباك بيشترى الأرض وبيدفع كل الفلوس للمقاول وهو يبنى
ويأجر وعمى زهير بس بياخد نصيبه هو مالوش ذنب أن
المقاول غشاش ونصاب هو ماله وانت كمان مالك شاغل
دماغك ليه ؟!
تنهد وهو يفرك وجه بين يديه ثم سرد عليه ما حدث معه :
- تخيل انا قولت اسكن هناك عشان القى المقاول
الحقير ده .. تطلع قدامى البت ديه حسيت انى
ديه اشاره من ربنا إنى ماشى صح ..
ضحك متعجبًا من صديقه قائلًا :
- يا عم إشارة ايه هو انت داخل على جواز
ضميرك ده محتاج مسكن شويه قوم خلينا نعمل
العمل الوطنى ده .. ده احنا هنبقى فخر الدنيا
لمعت فكره برأسه ثم انتفض كمن لدغه عقرب مسرعًا للخارج واستقل سيارته
مندفعًا يسابق الريح حتى وصل اسفل البناية وانطلق
مندفعًا للأعلى يطوى الدرجات فتح باب الشقة بحدة
وهو يبحث عنها فى الغرف ولم يجدها اغمض عيناه
بألم، ولج من الشقة للخارج ليبحث عنها وفجاءة توسعت عيناه بذهول كانت تنكمش على نفسها فى مدخل البناية
تحت درجات السلم وقف امامها قائلًا :
- تتجوزينى ؟!
↚
الهدوء ليس دائمًا معناه اننى بخير
لكن هناك هدوء نتيجة التخدر من الألم
****
كانت تجلس شاحبة الملامح تجلس فى الفراغ تحت السلم، ارتفع حاجبها بترقب وهو يقف امامها كالطود،
رمقته بنظرة واحدة كدليل على عدم اهمية وجوده
فهى ضائعة بين افتراضيات تعلم انها ستعيشها، اغمضت
عيناها الحارقتين من شدة التفكير، بينما هو رفع حاجبه
مستنكراً رد فعلها فتابع :
- انت مش سمعتينى؟!
وبعدين أيه اللى مقعدك هنا ؟!
نظرت نحو الأرض ثم اجابته بحزن يخيم عليها :
- انا ما اخدتش حاجة من فوق وكل حاجة زى ما هى
دلوقتى عايز أيه ؟!
وتغلغلت الدموع داخل عيناها ولم يكن لديها القدرة الكافية على اجابته ولا على حتى النظر فى وجهه
فهى فى نظره سارقة تمتمات صغيرة خرجت منها
لتنهى النقاش :
- الدنيا ليل خوفت أمشى دلوقتى مستنية الصبح
يطلع وامشى
حاول التحدث معها بلطف :
- طب ممكن نطلع فوق نتكلم ؟!
- لأ طبعا مش هطلع معاك الشقة انت فاكرنى أيه
هزت رأسها ثم اجابته بم يشبه الانفعال
تأفف بضجر قائلًا :
- طب ممكن تقومى نروح مكان عام نتكلم فيه مش
هنتكلم فى بير السلم كدة
انهى كلماته تاركًا اياها لتفكر، ثوانٍ قليلة وهزت رأسها
بالإيجاب كالمغيبة ربما يكون اخر قشة نجاة
****
-أيه رأيك فى العرض اللى عرضته ؟!
تلك الجملة التى نطقها كنان
ارتفع حاجبيها بسخط لكنها هدأت نفسها عن التلفظ بأى
كلمة خاطئة وردت باستنكار :
- حضرتك تعرفنى عشان تطلب تتجوزنى، بلاش
ده المفروض انك جيت ولقتنى واخدة شقتك ولا تكون
فاكرنى واحدة رخصية بقى .. بعدين انت تعرف ايه عنى
تابع محاولًا اقناعها بدون الكشف عن نواياه :
- ولا ده ولا ده الحكاية كلها إنى محتاج الشقة كام
اسبوع وانتى صعبانة عليا هتروحى فين ومينفعش
تقعدى معايا من غير مسمى .. وبعدين مش انتى
قايلة للناس كلها انك مراتى فين المشكلة والأهم
من كل ده انى هكتب الشقة باسمك مع ورقة طلاقك
ولو على اللى معرفوش عنك عرفينى انتى
رمشت عدت مرات وبدأت تهز ساقيها بتوتر قائلة :
- مفيش حاجة عنى ممكن تعرفها اصلًا
بعدين انت مستفاد أيه من ده كله
نظراته كانت تقتحم اسوارها وهو يجيبها بنبرة صوته الخشن :
- ولا حاجة بس فى حاجة اسمها ضمير
هساعدك بس مش اكتر بلاش نظراتك دية لو عايز حاجة
غلط ماكنتش قولت اتجوزك
لو موافقة هنكتب الكتاب بكرة وعند مأذون عشان تبقى
مطمنة
لم يكن طلبه منطقيًا او يدل على شخص سوى
لكنها ليس لديها رفاهية الرفض اين ستذهب
او بالاحرى ستذهب لمن فهى تتعامل طيلة
حياتها كأنها ستلوث من حولها
الخيبة ظهرت بائنة على وجهها كل ما تشعر به
الحيرة والخوف من العواقب لكنها كانت وستظل
اقوى من اى عقبة فى طريقها، ردت بثبات دون ان
يطرف لها رمش :
- انا موافقه بس امضى عقد الشقة مع عقد الجواز
ارجع جسده على المقعد وهو يجيبها باريحية :
- ديل
*****
فى اليوم التالى
كانت تجلس على المقعد وسط مشيخة الأزهر وامامها المنضدة وفى الجهة المقابلة يجلس المأذون يقوم بتدوين
البيانات، أخذت كيان شهيقًا لتمد رئتيها بالاكسجين
اكسجين لا ترغب به ولا بالحياة حياة تمدها بندبة جديدة فى قلبها، رفعت عيناها للجهة الأخرى برهبة وخوف حيث كان يقف هو مع شخص اخر لكن هى ليس
لديها خيار اخر ربما تكون الحياة عقدت معاها هدنة
على الجانب الأخر حدجه ضياء بنظرات ذهول
قائلًا بدهشة :
- انت بتهزر صح طب ما تكتب الشقة ليها من غير
جواز انت تعرفها ؟! طب فين اهلها دية ؟!
التوت شفتيه وتأفف قائلًا :
- مش غريبة إنى اكتب الشقة ليها وامشى ما كدة هى هتعرف ان وراها سبب ولو حاولت تدور كدة ابقى بورط
.بابا اكتر ادعيلى القى المقاول ده، انجز وهات بطاقتك
اطرق ضياء رأسه بخزى :
- معايا الباسبور ينفع اصلك كلمتنى ونزلت بسرعة
جز كنان على اسنانه قائلًا باستهزاء :
- لا الباسبور ده خليه ابقى....
صمت للحظة ثم قال وهو يغمز له :
- اتجوز بيه انت
توجه كنان يجلس على مقعده بكل هدوء بملامح غامضة، بينما هى تحدجه بنظرات ريبة شديدة والإرتباك جلى على ملامحها تحدث كنان بنبرة رجولية:
- كل حاجه تمام يا حضرة الشيخ
هز رأسه بابتسامة هادئة :
- تمام بإذن الله
بعد فترة قصيرة انهى المأذون اجراءات الزواج واصبحوا
زوج وزوجة رسميًا، كان ضياء يراقب الموقف ببلاهة
صديق عمره تزوج فى لمح البصر فتحمحم قائلًا :
- فى مناسبة زى دية انا المفروض احضنك ولا اواسيك
ولا اوبخك
رفع كنان حاجبه الايسر قائلًا بتحذير :
- تسكت خالص فاهم
التو ثغره بسخرية وتوجه نحو كيان ليمد يده بسلام
قائلًا :
- مبروك يا أحلى عروسة فى الدنيا
امتقع وجهها ثم نظرت ليده الممدود ونظرت له قائلة ببرود :
- انا اعرفك ايه عشم ابن خالتى ده .. انا مبسلمش على حد
سريعًا التقط ضياء يد كنان ليبارك له لحفظ ماء الوجه
وهو يهمس بجانب اذنه :
- ماشاء الله مش بس حرامية لا وكمان لسانها طويل
طلقها وانفد بجلدك احسن
*****
ولجوا لداخل الشقة وهى تقبض على حقيبة يديها
بقوة فهى بداخلها نجاتها، عقدين سيحددوا مصير
حياتها عقد قرانها وعقد الشقة امانها وسندها فى
الحياة لكن هل هو حبل نجاة ام دوامة أخرى
طاحنة ستواجهها بمفردها ازدردت ريقها واستدارت له تهتف بنبرة تحمل
التهديد والتحذير كى تخفى خوفها :
- بص بقى اما اقولك الجواز ده تحت ظروف
معينة والشقة بقت باسمى يعنى هتقعد هنا
بشروطى .. واوعى تفكر إنى هخدمك اه
او اصرف عليك كمان اصلا مش مرتحالك
اقترب منها كنان بخطوات بطيئة ثم مال عليها متسائلًا
بخفوت مرعب :
- انتى اتجنتتى انتى بتكلمينى كده ازاى؟!
اوعى نبرة صوتك تعلى تانى مين اللى يرتاح لمين ده انتى هجامة
رجفة بسيطه سرت بداخلها ثم استعادت ثباتها الزائف
وهى تضيق عيناها متسائلة :
- إلا بالحق انت شغال اية ؟!
ضيق كنان ما بين حاجبيه قائلًا باستنكار :
إلا بالحق ؟!! ايه اللغة دية ؟!!
انا دكتور تجميل .. جراحة تجميل
تشدقت كيان بغطرسة قائلة : - دكتور نفخ يعنى ايه التناكة دية
سقطت كلماتها عليه كصاعقة من السماء فوقف كصنم فى مكانه فاغر فمه وعيناه يحاول استيعاب الكلمة :
- عيدى تانى قولتى ايه انا دكتور ايه
اجابته بكل بساطه وهى ترى تحوله :
- دكتور نفخ معروفة
اقترب منها يجذبها من معصمها يهمس من بين اسنانه
بنبرة تحذير وتهديد :
- اسمعى بقى اما اقولك مش معنى انى سكت على السرقة انك تتمادى .. كلها كام يوم هخلص وامشى
بالنسبة لحوار الجواز ده بس عشان يكون فى مسمى
لقعدتنا هنا مع بعض مش عشان لسانك الطويل
فاهمة !! مش عايز دوشة !!
ترك معصمها ثم توجه صوب غرفته واخذ معه حقيبته
واغلق الباب بعنف فى وجهها انتفض جسدها على إثر
الخبطة ثم رفعت وجهها للأعلى تهمس بتضرع :
- يارب انا خايفة ومش عارفة اللى عملتوا صح ولا غلط
بس مش عايزة اترمى فى الشارع يارب ماليش غيرك
ثم استرسلت : ربنا يستر من دكتور النفخ ده
****
على صعيدًا اخر .. سارت تنظر حولها بانبهار منظر
الاشجار والنافورة والمياة وهدوء المكان يبعث فى نفسها
الراحه والطمائنينة ثم استدرات للذى يقف خلفها تهتف
بحماس :
- المكان هنا رووعة اوى يا طاهر تحفففة خالص
هو ده مكان المكتبة خلاص وكمان الإفتتاح هيبقى هنا
انا عايزة شغل دعاية جامد والحفلة كلها مسئوليتك
اجابها بابتسامة واسعة :
- بس كدة اوى اوى بس الست بيلا تؤمر واحنا ننفذ
الحفلة كلها تجهيزات اكل شرب ديزاينر كله عليا
تمتمت تؤكد على كلامه لكن كان هناك اعتراض بسيط :
- ميرسى اوى يا طاهر تعبتك معايا وعارفة ان فى حاجات مش تخصصك وانت عملتها عشانى بس
بلاش الأكل ده انا اعرف بنوتة من فترة وهى شاطرة اوى وهخليها تتولى موضوع الأكل ..
ابتسم لها بحنو ثم قال :
- متأكدة ده انا هتفق مع اكبر شيفات المطاعم حاجة
تليق بيكى
- البنت دية ممتازة مش هتصدق انها مش شيف فى اكبر المطاعم هتدوق وتحكم بنفسك فى الاحتفال
اجابها فى هدوء مشجع :
- رغم إنك عارفة مبحبش حد يتدخل فى شغلى بس
تمام اوى ندوق ونحكم
*****
قضت ليلتها ولم يغمض لها جفن، راقدة على الفراش
منكمشة على نفسها تنظر فى اللاشئ، فهى دائمًا فى
مواجهة صريحة مع الحياة، حتى انها من كثرة الصعاب
افقدتها القدرة على التمسك بغريزة الحياة، ابتلعت
ريقها بصعوبة بالغة فهى تخشى عواقب فعلتها وافقت
على الزواج كطفل صغير يريد العبث بشعلة الشمعة
المضيئة ولكنه لا يعى عواقب فعلته عواقب اللعب
بنار تشعر بالبؤس صبغ حياتها نهضت جالسة على
الفراش وهى تفرك وجهها بيدها عندما تسللت
اشعة الشمس لغرفتها فهى لم تستطيع النوم مع
شخص غريب داخل الشقة
****
فى صباح اليوم التالى وقف هو امام النافذة يتحدث بنبرة
صوت منخفضة اشبه بالهمس قائلًا :
- قولتلك يا ماما انا اللى فى دماغى ده مش جنان
ده واحد ورط اسم ابويا ومش هسكت حتى لو
عرفنا ننوم الموضوع بردوا مش هسكت
ثم تنهد بثقل يهمس : مش لازم تعرفى انا فين
ايوة بخير ارجوكى انا مش عيل صغير سلام
واستدار فخبط بها فتأوهت بخفوت وهى تعض على
شفتيها باستيحاء اقترب منها وهو يلقى نظرة متفحصه
إلى منامتها وحجابها الغير منضبط فهتف بنبرة غليظة
حادة :
- انتى واقفة عندك ليه انتى بتتجسسى عليا
انا مش قولت متقربيش من ناحيتى تانى
هندمت من وضع حجابها سريعًا وهى تحاول أن تظهر بدور الفتاة القوية فهتفت وهي مدعية البراءة :
- انا كنت معدية عادى من هنا وبعدين انت صوتك واطى ليه ها ؟!
جز على شفتيه وهمس من بين شفتيه :
- معدية عادى منين دية اوضتى ازاى تدخلى كده
اجابته مستنكرة :
- اه اوضتك بس فى شقتى انت نسيت
بعدين موطى صوتك كده وكلامك غريب هو انت
عليك تار يا كابتن ؟!
توسعت عيناه بذهول وهو يشير باصبعه لصدره هامسًا بشراسة :
- انا كابتتتن !!!
تمتمت فى برود مستفز قاصدة اثارة حنقه اكثر :
- ده انت كابتن وسيد الكباتن كلهم مالك بس
-اطلعى بره ... بره
قبل ان ينهى جملته دق الجرس فأولته ظهرها بكل غرور
واندفعت صوب الباب وادارت المقبض فطالعت وجه
ضياء وهو يحمل باقة زهور فامتعضت ملامحها وهى تهز رأسها متسائلة عن سبب وجوده ففطن لسؤالها
ومده يده بباقة الزهور :
- مبروك انا جاى ابارك ولا انا جيت فى وقت مش
مناسب هو كنان فين
مدت يديها تأخذ منه الباقة فى استغراب شديد
ووجه متجهم قائلة :
- انت عبيط جاى تبارك على أيه وامشى من هنا
ولو على صاحبك ابقى رنله ينزلك على القهوة
شعرت بخيال من خلفها وسمعته يغمغم بهدوء مخيف :
- امشى ادخلى جوا حالًا
تجاوز ضياء كنان وولج للداخل قائلًا :
- عنوفة اوى المدام
تجهمت ملامح وجهه ثم انقبضت وهى تعكس انقباض
مخيفً ثم تمتم مزمجرًا :
- مدام اية بس ؟!
قهقه بنبرة ماكرة وهو يغمز له بطرف عيناه قائلًا بنبرة
ذات مغزى :
- ايه ده انت بتعانى من مشاكل ولا حاجة ؟!
قول احنا ستر وغطا على بعض
صاح كنان بغضب هادر :
- ضييياء مش فايقلك على الصبح
رفع ضياء يديه عاليًا علامة الاستسلام وهو يكتم ضحكته
****
فى الظهيرة فى مكتب بيلا
تجلس وامامها كيان تسجل كل ملحوظه باهتمام جلى
حتى انتهت ورفعت رأسها إليها بابتسامة واسعة :
- ميرسى اوى لاختيارك ليا وثقتك فيا يا أنسة بيلا
ابتسمت بيلا بهدوء :
- اولا بيلا بس .. ثانيًا وده الأهم انا مش بجاملك فى
الشغل انتى بجد اكلك روعة ومتأكدة إنك هتشرفينى
قدام المدعوين المكتبة دية حلم عمرى يا كيان
المهم الديزاينر بتاع الحفلة جاى عشان تظبطوا مع بعض
نهضت كيان بابتسامة صافية قائلة :
- إن شاء الله اكيد .. بس ممكن الديزاينر اقابله يوم
تانى عندى محاضره وضرورى احضرها
أومأت بيلا براسها بهدوء بينما اندفعت كيان مسرعة
واولتها ظهرها وخرجت من المكتب، سارت فى
الردهة مندفعة حتى اصطدمت بصدر عريض فارتبكت
معتذرة وحاولت ان تتجاوزه فوجدته يعترض طريقها
ويقف امامها وعيناه مثبتة على وجهها قائلًا :
- طاهر حسين وحضرتك
رفعت اصبعها السبابة فى وجهه محذرة :
- امممم.. طريقة جديدة للشقط.. ابعد عن وشى بالطريقة الرخيصة دية
وهمت بالرحيل ثم اعترض طريقها مجددًا :
- مش بعاكس على فكرة انتى متأكده اننا منعرفش بعض قبل كدة
تأففت بضجر وانطلقت فى طريقها بينما هو ظل يحدق
بها وهو يهمس :
- الشبه الجامد ده حقيقى يخلق من الشبه اربعين !!
↚
هل تعلم ماهو شعور العجز
هو ذلك الشعور الذى ينهش قلبك لكن لا تقدر مقاومته
*****
انهت يومها الدراسى وعادت سريعًا فى محاولة لصرف تفكيرها عن اسبابه الخفية للزواج منها التى تشغل تفكيرها فعرض بيلا مغرى
ولابد من التجهيز من الآن فحفل بهذا الحجم يجب
أن يكون على اعلى مستوى من جميع الجهات ولن
يكتمل إلا بطعام فاخر ولجت لغرفتها وابدلت ثيابها
وعادت ثانيةٍ للمطبخ تفتح الأكياس وتفرغ المحتويات
وبدأت تعد الطعام وهى تشعر بالسعادة فهذا الحفل
حتمًا سيعد خطوة مهمة لها وستتوالى العروض اكثر
عند هذه النقطة اشتعل حماسها اكثر وتقدمت نحو
الحاسوب واشغلت الاغانى على اعلى صوت واندمجت
فى التحضير ولم تنتبه على الذى دلف من باب الشقة
وما أن دلف ارتسم على وجه الانزعاج حين داعبت انفه
روائح الطهى توجه نحو المطبخ وصاح من خلفها
قائلًا بخشونة :
- انتى بتهببى ايه كل صوت الاغانى دي وايه ريحة
الاكل اللى ملت البيت دية
استدارت بفزع من نبرة صوته ثم هتفت بحدة طفيفة :
- فى إيه خضتنى ؟!
حد يدخل كدة مرة واحدة .. بعدين مالها ريحة الأكل
ايه بتطبخوا فى بيتكم ببيرفيوم يعنى
تحولت ملامحه واتجه للحاسوب يغلقه قائلًا بقسوة :
- انتى ايه مفييش دم واحدة غيرك المفروض انها
طلعت حرامية تتكسف على دمها مفيش تربية
اهلك دول مبذلوش اى جهد فى تربيتك يعرفوكى
الصح من الغلط
شعرت بالاهانة فكلماته اخترقت روحها قبل اذنيها
تلألأت عيناها بدموع تشعر انها على وشك الأنهيار فرمقته بنظرة اخيره قبل ان تندفع لغرفتها مغلقة الباب
خلفها بعنف
****
بعد مرور اكثر من ساعتين يجلس كلا من ضياء و كنان
فى مركز التجميل الخاص بهم لكنه مازال تحت التجهيز، جز كنان على اسنانه
هامسًا :
- ادينى بدور اهو من ساعة ما روحت المنطقة على
اى خيط يوصلنى بيه مش عارف .. بس بنزل الف
واقول انى محتاج شقة يمكن حد يدلنى عليه
مط ضياء شفتيه بملل وحاول استمالته قائلًا:
- ما كفاية بقى وعمو زهير عرف يظبط الموضوع
وهو مالوش دخل ولما يظهر السمسار هتعرفوا توصلوا
وخلينا نركز فى المركز اللى بنفتحه واللى عشانه
نزلنا من بره .. احنا لازم نتفق مع حد يصمم لينا
الافتتاح انا كنت سمعت عن شركه بتنظم حفلات
على اعلى مستوى
اجابه كنان بتذمر :
- فى اية ياضياء مالك حتة ايفينت مش هتعرف
تنظمه مش لقيت الشركه خلاص روح وشوف
مش كفاية عليا البلوي اللى فى البيت
ابتسم ضياء وهو يهمس بنبرة لعوبة :
- سيبك بس جمل يابا الحج
هب كنان من مقعده واقفًا غالقًا زر سترته وصاح :
- تصدق بالله انت ما عندك دم .. ماتنساش انها على
ذمتى ياجدع انت
انصرف كنان بينما قطب ضياء حاجبيه مستنكرًا :
-هو انا قولت حاجه غلط ولا اية ؟!
****
فى المساء
عيناها غارقة فى النظر إلى السماء والنجوم لتشيح
بنظرها لتنظر إلى مصابيح الانارة فى الحديقة سمعت
اذنيها صوت طرق على الباب دلفت من الشرفة للداخل
فطالعت وجه والدتها قائلة :
- بيلا حبيبتى انتى لسة صاحية ؟!
ابتسمت بعذوبة قائلة :
- اه يا مامى لسه صاحية
جلست لبنى على حافة الفراش واشارت لابنتها بالجلوس، جلست بيلا بجوار والدتها وهى لايعجبها
ذلك الغموض الذى تتخذه والدتها كقناع ساتر خلف
رغبتها فى الحديث تنهدت بيلا قائلة :
- خير يا مامى من الصبح وانتى عايزه تقولى حاجة
وكمان بابى اتكلمى
سحبت لبنى نفسًا عميقًا وزفرته على المهل قائلة :
- ماشى يا بيلا من غير لف ودوران ليه رافضة
العريس من غير ما تشوفيه
تنهيدة حارة خرجت منها لتهمس بأسى :
- لو سمحتى يا مامى الموضوع ده بقى بيتعب اعصابى
ومفيش داعى اقول ليه ولو سمحتى
تحترموا رغبتى ..
انقلبت معايير وجه لبنى هامسة بنبرة بها بعض الحدة :
- لأ بقى كده كتير يا بيلا .. فى ناس كتير عندهم صعوبات ومكملين حياتهم فى امل ليه بتعملى كده
كل ما يجيلك عريس ترفضى ده انتى قمر مش بتشوفى نفسك فى المرايه
ضحكت ساخرة بألم يحتلها من الداخل ياليتها تستطيع تجاوز تلك العقبه ملامح وجهها النضرة كساها الألم
والاجهاد فهمست :
- لا بشوف نفسى فى المرايا وكمان بشوف أن رجلى
مبتوره ومركبة جهاز كمان، بشوف الحقيقة كاملة
مش زيكم .. بعدين عرسان ايه اللى بتتكلمى عليهم
هااا اللى طمعان واللى مش مناسب نهائى بس بيتقدم
على اساس انى ماهصدق بلاش دول ناسية لما وافقت
بالعريس اللى ألحتى عليا بيه فاكرة .. فاكرة البوست
اللى نزله على الفيس انه مش فارق معاه الإعاقه اللى
عندى وكل ده عشان يبقى تريند ومفرقش احساسى
او حتى خد رأى بليز يا مامى بلاش الموضوع ده
انهت حديثها والدموع تغرق وجنتها، تنهدت لبنى بوجع على حال ابنتها وعقبت بجملة واحدة :
- بس الناس مش زى بعض وانتى عارفه كده
على العموم تصبحى على خير بيلا
نهضت واقفة واولتها ظهرها للخارج وسحبت الباب
خلفها، ارتمت بيلا على الفراش تمسح عبراتها وفجاءة
تسللت ابتسامة إلى شفتيها عندما مر طيف طاهر امامها
اغمضت عيناها وابتسمت قبل ان تسقط فى النوم
****
ولج كنان إلى الشقة ورمقها بنظره علم منها أنها لم تغادر
غرفتها من الصباح توجه نحو المطبخ ليتأكد ظنونه ليجد كل شئ كما تركته، تنهد وهو يضرب السطح
الرخامى بحدة هو لا يريد أن يقطع مصدر رزقها ولقمة عيشها توجه نحو الباب وطرق عليها ووقف ينتظر الاجابة ثوانٍ قليلة وكانت تضع الحجاب فوق رأسها وتفتح الباب طالع وجهها وعينيها المنتفختان من البكاء
فاشاحت بوجهها للجهة الاخرى تهمس باقتضاب :
- خير !!
غمغم بصوت هادئ :
- انا مقصدتش اساءة بعتذر بس الريحه كانت صعبة
للحظات لا يعلم كيف حدث ذلك كيف اعتذر منها، بينما هى رفعت عيناها تلاقت بعيناه الزيتونيه لتهمس بكل براءة :
- على طول بنسى اشغل الشفاط مش بفتكر غير فى
نص الاكل .. واعتذارك مقبول وحصل خير
هز رأسه بملامح ممتنه وهم للمغادرة فأوقفته :
- كنت بعمل ورقة لحمة احضرلك تتعشا معايا
ابتسم كنان بلطف قائلًا :
- انا فيچتريان vegetarain(نباتى)
توسعت عيناها بذهول وهمست بنبرة تحذيريه :
- انا مالى إذا كنت مدخلتش دنيا.. لا دماغك
متروحش بعيد مش عشان بقولك تتعشا ده جدعنة مش اكتر
ضيق عيناه الزيتونتين ثم سألها مستفرًا :
- انتى تقصدى ايه ؟! وايه مدخلتش دنيا دية ؟!
لوت كيان شفتيها بتهكم :
- هو ايه اللى تقصدى ايه انا مالى اذا كنت فيجتريان
يعنى عذراء ولا لأ
اشار إلى صدره وتوسعت عيناه بذهول وكأنه وقعت
عليه صاعقة من السماء :
- قصدك إنى فيرجن virgin (عذراء) صح ؟! انتى اتجننتى
رفعت احد حاجبيها قائلة :
- كل واحد عارف نفسه بس ده شئ ميخصنيش
إذا كنت فيجتريان ولا لأ .. اه لو سمحت تلزم حدودك
جز على اسنانه بغيظ متسائلًا :
- انتى تقصدى فيچتريان يعنى عذراء !!!
اجابته بكل ثقة وهى عاقدة ذراعيها امام صدرها :
- معروفه فيچتريان يعنى عذراء هو انا جاهلة
جحظت عيناه واجابها ساخرًا :
- ابدًا العفو ده انا اللى جاهل عذراء يعنى فيرچن
مش فيجترين
- مش فارقه يعنى حرفين
طرق كفًا بالاخر متعجبًا من ثقتها الزائده :
- لا تفرق كتير فيچترين يعنى نباتى مش باكل لحوم
فيرجن يعنى عذراء ودية اساسا للبنت مش للولد
مدرسة ايه اللى كنت بتروحيها بيشرحوا ايه هناك
اجابته مندفعه بتلقائية :
- انا ماكنتش بروح المدرسه اصلًا انا كنت بنزل على الامتحان بس
بنفس الاندفاع سألها :
- لييه ماكنتيش بتروحى ؟!!
اطرقت عيناها ارضًا محاولة التملص منه :
- بلاها اكل هعملك قهوة عن اذنك
حك مؤخرة رأسه باستنكار :
- شكلك وراكى مصيبة ولازم اعرفها
ثم ضحك ببلاهة قائلًا :
- قال فيرچن قال
****
فى اليوم التالى تجلس بيلا فى مكتبها تتابع عملها
على الحاسوب الخاص بها طرق على الباب قطع
تركيزها فرفعت معصمها تنظر للساعة فعلمت انه
موعد العميل فأذنت له بالدخول وابتسامة ناعمة تزين
ثغرها الوردى، ثوانٍ وولج ضياء طالع من تجلس وراء
المكتب لثوانٍ توسعت عيناه بانبهار فتاه فى طور البدر
تنير المكتب تقدم منها قائلًا :
- يا صباح النوتيلا
رمقته باستنكار رافعة احد حاجبيها قائلة بحزم :
- نعم !!!!!
يكاد يقسم بداخله انها الأكثر جمال على الأطلاق تحمحم بحرجٍ محاولًا تغيير معنى حديثه بخبث :
- بقولك صباح الخير ياأنسة بيلا
فى حاجه ؟!!
اتسعت حدقة عينيها مزفره فهى سمعته جيدًا هتفت بنفاذ صبر :
- صباح الخير .. اتفضل ارتاح يا استاذ......
جلس على المقعد امامها وأومأ بالايجاب :
- ضياء نور الدين دكتور تجميل
- اهلًا وسهلًا
بادلته بابتسامة هادئة وهى ترحب به، بينما هو يشكر
بداخله عشوائية الصدف التى جمعته بإحدى أميرات
ديزنى فابتسم بتوسع قائلًا :
- انا كنت جاى عشان انظم حفل افتتاح لمركز التجميل
بتاعى انا وشريكى وده بعد ما سمعت عنكم
رمشت باهدابها وابتسمت بنعومة :
- تمام يا دكتور انا معايا هتتفق على تصميم الحفل
وعايزها نوعها اية وبعد كدة هتكمل باقى التفاصيل
واللى هيروح معاك المكان الباشمهندس طاهر
اجابها باندفاع :
- بس انا عايزك انتى
صمتت لبرهة ثم قطبت حاجبيها باستنكار :
- افندم ؟!!
اجابها بمراوغة :
- بصراحه عايزك انتى تخلصى كل حاجة انا جاى عشان
شغلك الممتاز، واللى انا شفته
- الشغل ده شغلى انا وباشمهندس طاهر ميقلش
حاجة عني وده نظام شغلنا للأسف لو يناسبك
نظر لها باحثًا على رد لطريقتها الفظة ثم اردف :
- مفيش مشكلة انا ماكنتش اعرف نظام الشغل
هتفق مع باشمهندس طاهر
اكمل الاتفاق معها فى اجواء متوترة وهو يختلس النظرات إليها حتى انتهى الإجتماع
****
طرق على الباب قطع عملها ثانيةٍ فرفعت نظرها
لكن هذه المرة تبدلت ملامحها بسعادة اكثر
هامسة :
- تعالى ياطاهر اتفضل
جلس على المقعد يتنهد بتعب قائلًا :
- اليوم كان صعب اوى خالص بس انجزت حاجات كتير
والدكتور اللى اسمه ضياء ده غريب سأل عليكى كذا مرة .. غير انه مش مهتم بأى حاجه بس المركز بتاعهم
عالمى
ارتبكت قليلًا متسائلة :
- يسأل عليا ليه ؟! انا معرفوش
اجابها ببساطة :
- حسيته شخص فضولى .. المهم فين الشيف بتاعت
الأكل انا لازم ابقى متفق معاها قبل الافتتاح ده مش
افتتاح اى حد ده افتتاح ملكتنا بيلا
ابتسامة واسعة زينت ثغرها واجابته بامتنان :
- ميرسى .. هى عندها امتحان عشان كده معرفتش تيجى
-طب هاتى رقمها واتصرف انا
عدة انفاس متتالية اخذتها شعرت بثقل يجثو علي صدرها، تتسائل بينها وبين
نفسها لما الخوف والتوجس، سريعًا التقطت هاتفها ولمست الشاشة عدت مرات باصابعها ثم ابتسمت
بهدوء قائلة :
- بعتلك الرقم ابقى شوف وقولى
فتح هاتفه ثم همس فى ثقة :
- احلى افتتاح لأحلى بيلا وهتشوفى بعينيك همشى
انا عشان الافتتاح والتجهيزات
****
ولج طاهر إلى غرفته وارتمى بجسده على الفراش
من ارهاق يومه حاول ان يمد يدها ليضع هاتفه
على الكومود المجاور لفراشه ولم يجده فنادى على
والدته بصوتًا عاليًا فجاءت والدته تفتح الباب ومن
خلفها هاجر ابنة عمته، فقطب حاجبيه قائلًا :
- هاجر ايه اللى دخلك هنا
هتفت بحدة مصطنعة قائلة :
- مش انت اللى ناديت خيييير
نهض من على الفراش يقف امامها يهتف بغضب :
- انا قولت يا امى انتى مالك وازاى تدخلى اوضتى
كدة اصلًا ؟!
توسعت عين والدته بصدمة ثم تحدثت :
- هو مفيش احترام ليا
اسرعت هاجر تهز رأسها بنفى قائلة :
- حقك علي راسى اسفة يا مرات خالى
ربتت على كتفها بحنو ثم نظرت لابنها :
- افندم عايز ايه لكل الصياح ده
لم يلتفت لهاجر وسأل والدته باقتضاب :
- الكومودينوا فين ؟!
- اه هاجر روقت وغيرت النظام
رفع حاجبه باستنكار قائلًا :
- وازاى هاجر تدخل اوضتى وانا مش موجود هاا
ايه اللى مقعدها عندنا اصلًا
القت والدته عليه نظرة معاتبة بينما هى نطقت بمحاولة لكسب التعاطف :
- عشان امى الله يرحمها اتوفت فبطلع اعوض حنان الأم
عند مرات خالى
قاطعها ببرود :
-ايه ده، هشششششش، حنان ام اية اللى بتطلعى تعوضى عندنا
ده احنا يوم وفاة عمتى كنا محتارين نعمل فرح
ولا ننصب صوان،
طب واللى خلق الخلق الناس كلت وشنا عشان عملنا
عزا قال حنان ام قال .. عمتى عندها حنان
ضيقت عيناها بغيظ وقلة حيلة فهو محق، فتحدث ثانية :
- انا هنقل الزفت وإياك تدخلى هنا تانى وانا مش موجود، اتفضلى بقى خدى مرات خالك وحنان واطلعوا
برا عايز انام
****
عملها كطاهية يتطلب منها جهدًا ومع وجود كنان اصبح
يتطلب جهدًا جباراً فهى تريد الانتهاء قبل عودته لا تريد
المشاكل اكثر فبعد ايام قليلة سيرحل وتبقى الشقة
ملكها هى وحدها هذه النقطة تجعلها تتحمل الأنفة
والاستعلاء منه، لكنها ستحصل على لقب مطلقة لكن
بالنسبة لها لا يهم سوى الشقة فهى عانت كثيرا شردت
في ذكرى ..
** كانت طفلة فى الصف الرابع الابتدائى تقف فى احدى زوايا غرفة الاخصائية الاجتماعية ودموعها
تغرق وجنتها وشظايا الندم تحرق قلبها الصغير وعلى الجانب الاخرى تقف ام احدى صديقاتها تتحدث
بانفعال مع الاخصائية الاجتماعية وجدتها
(خالة والدتها)
من قامت بتربيتها
فتحدثت ام صديقتها:
- استحالة بنتى تفضل فى نفس الفصل مع البنت دية
اللى حكيتوا لبنتى مش مقبول البنت دية اللى عاشتوا
يخلى اى ام عايزة تبعد بنتها عنها اسفة بس استحالة
اغامر بتربية بنتى انا عايزة انقل بنتى
تنفست جدتها بصعوبة وهى تتحدث من بين اسنانها :
- معقوله تكونى ام وبتفكرى كده .. البنت دية مرت
بظروف صعبة بس المفروض تفهمى بنتك الصح والغلط
مش تبعديها بعدين هى بنتى غلطت عشان اتكلمت مع
بنتك بس انتى كده بتدمري نفسيتها ومستقبلها فى المدرسة
تدخلت الاخصائية مقاطعة حديثهم :
- يا افندم كل واحد بيمر بظروف كيان غلطت انها اتكلمت بتلقائية بس ده لأن بنت حضرتك صديقتها المقربة وده اللى احنا هنحاول نفهموا لكيان ونعمل
إعادة تأهيل
تجاهلت حديثهم وهتفت بنبرة محذره :
- بنتى هتتنقل ولا انزل للمديرة واعمل شوشرة فى المدرسه كلها
تقدمت هى من جدتها ولم تمتلك شئ سوى دموعها احتضنت كفها بكفها الصغير وتحولت ملامحها من طفلة
لم تتجاوز العاشرة بعد إلى كهلة عجوزة ملامحها تصرخ
بالقهر والعجز والحزن :
- انا عايزة امشى من المدرسة ياماما هدى
عادت من شرودها على صوت رنين الهاتف فمسحت
دمعة حارقة فرت منها وتناولت هاتفها لتجيب :
- الو.. ايوة انا مين حضرتك
- اه اهلًا باشمهندس طاهر.. انسة بيلا قالتلى اسفة انى
معرفتش اجى
- تمام انا هسجل رقمك واتس وابعت لحضرتك المنيو
انا مجهزة حاجات معينة بس بردوا انت تختار
فى هذه الاثناء وصل كنان بينما هى مولياه ظهرها
وتتحدث بتلقائية :
- اهم حاجه تعجبك انا يهمنى طبعا حضرتك تكون
مرتاح فى التعامل معايا وماتكونش اخر مرة
- تمام نكمل واتس وهبعتلك الصور وتقولى رأيك
مع السلامة
صدح صوته عاليًا فى الارجاء :
- انتى بتكلمى مين ؟!!!!
↚
الحب من طرف واحد هو عبارة عن شعور متناقض
لاتحب أن تفرض نفسك ولا تقو على إنكاره فى نفسك
****
يجلس ضياء فى مكتبه يقلب فى صور اميرة ديزني
كما لقبها يبتلع ملامحها بابتسامة واسعه فراقت له
فكرة فالتقط هاتفه يضغط على زر الاتصال ثوان قليلة
واتاه صوتها الناعم الرقيق فابتسم قائلًا :
- انسة بيلا معايا
-اممم انا دكتور ضياء لو سمحتى فى حاجات عايز
ابعتها ليك بخصوص الافتتاح اقدر ابعتهم ازاى
- تمام اووى يعنى ممكن ابعتلك واتس على الرقم
ده طب تمام شكرًا اوووى
اغلق الهاتف ونظر لسقف الغرفه وهو يحك ذقنه متسائلًا :
- يا ترى دية هربانة من اى فيلم كارتون
بس بتقفل اوى يا ترى ايه دخلتها
****
بتكلمى مين ؟!!
تلك الجملة اردفها كنان مما جعلها تنتفض على اثرها
وتستدير له ومازالت جفونها مبلله من اثر البكاء
قطب حاجبيه مستعجبًا فوجهها يبدو عليه اثر البكاء
بينما نبرتها وطريقتها فى الرد على الهاتف تنفى ذلك
لكنه مازال على اصراره فاشار بوجهه نحو الهاتف متسائلًا، عقدت ذراعيها امام صدرها :
- خير مالك ؟!
زفر بغضب لكنه حاول تمالك اعصابه قائلًا بنبرة باردة :
- انا لا هتعصب اهو ولا هعلى صوتى
الهانم كانت بتكلم مين وبتقولوا يارب الصور تعجبك ؟!
اتسعت انظارها من تلميحاته ثم هتفت بهجوم :
- انت فاكر نفسك ايه كل شوية تزعق وتشك فى اخلاقى .. انا كانت ليا ظروف عشان كدة فتحت
الشقة دية وقعدت فيها بدل رمية الشارع، غلطت اه
بس انا مش رخيصة زى كل شوية ما بتلمح فاهم
اقتربت منه بهاتفها بكل هدوء وثقه وهى تلمس بسبابتها الشاشه قائلة :
- ده الرقم اهو اللى كنت بكلمه ده الواتس بتاعه
ثوانى كده وديه صور .. الاكلات... صور اكلات
وقد ارسلت الصور فى التو واتاها الرد سريعًا امام
عيناه بالمدح فى منظر الاكل والتنسيق ..
تبادل النظرات فى صمت تام
القوة منها والندم منه، الثبات منها والخذلان منه
اندفعت صوب الغرفة مولياه ظهرها بينما هو ضرب
بقبضة يده فى الحائط بتذمر :
- لا كدة كتير بجد ايه اللى بيحصل ده
انا هقضيها اعتذرات انا جاى عشان ايه بس؟!
****
ينفع ادخل ؟!!
تلك الجملة اردفتها بيلا وهى تقف امام طاهر على حدود مكتبه
اتسعت ابتسامته بترحاب :
- يا سلام ده انتى تنورى المكتب وصاحب المكتب يفضى ليك مخصوص تعالى يا بيلا
تقدمت بهدوء تجلس امامه والحماس يحتل ملامحها :
- انا مش مصدقة بجد يا طاهر بعد بكرة الافتتاح
انتقل طاهر من مقعده ليجلس فى المقعد امامها قائلًا :
- اولًا انتى تستاهلى كل خير .. كمان دا شئ بتحبيه
لازم كنتى تاخدى الخطوة دية من زمان .. بس
اوعى تهملى المكتب هنا وتنسينى
اجابته بنبرة رنانة سعيدة وهى تطالع عيناه العسلية
وذقنه الكثيفة:
- استحالة بعدين لولاك انا ماكنتش اخدت الخطوة دية
وعلى فكرة بالمناسبة دية عزماك على حاجة نشربها
بره أيه رأيك
عبس بحاجبيه محاولًا ادعاء الانشغال :
- مش هينفع
بنبرة خافته غلب عليها الحزن :
- لييه؟!
اجابها معاتبًا بابتسامة واسعة :
- بقى بعد المرمطة دية كلها تقوليلى حاجه نشربها
بدل ما تقوليلى عزماك على الغدا انتى بخيلة ولا ايه ؟!
تنفست الصعداء ثم رمشت باهدابها ولمعت عيونها الزرقاء بابتسامة واسعة قائلة بحماس :
- بس كده خلاص يلا بينا ميعاد المكتب خلص
قبل أن تنهى كلامها قاطعها طرق على الباب فأذن طاهر
بالدخول فطالعوا وجه ضياء، ابتسم طاهر بترحاب
بينما هو شعر بنيران غير متوقعة بصدره من جلستهم سويًا باريحية فتحمحم قائلًا :
- انا كنت جاى عشان اشوف التصميمات الجديدة
بس قالوا انك هنا فى مكتب الباشمهندس
صمتت بيلا ثم اردفت باعتراض :
- بس للاسف مواعيد المكتب خلصت خلاص
توسعت عيناه بعدم تصديق من طريقتها العدائية الغير مبررة حاول طاهر تلطيف الاجواء قائلًا :
- بس عشان الدوك نقعد مخصوص ونشرب فنجان قهوة، اعذر الانسة بيلا
اصل افتتاح مكتبتها بعد بكرة والحماس مسيطر عليها
عشان كده عايزة تخلص اللى وراها اتفضل اقعد
نهض طاهر واقفًا يجلس خلف مكتبه بعدما رمقها تنظر
ارضًا بندم بعد جملتها الاعتراضية الطائشة .
بعد مرور عدة دقائق كان يرتشف اخر رشفه من فنجان
قهوته ثم وجه حديثه إليها :
- على العموم مبروك يا انسة بيلا واسف لو عطلتلك
ردت بحرج :
- لا ابدًا بس هو زى ما قال طاهر الحماس زيادة
قهقة طاهر وهو يطالعها قائلًا :
- شوفت الحماس ده كله اه لو تعرف قعدت اد ايه
اقنعها ايام وليالى والله
حديث طاهر بهذه التلقائية كان يتطلب منه اقصى درجات الثبات حتى لا يسأله على طبيعة علاقتهم التى
تجعله يقضى ليله ونهاره فى اقناعها بمشروعها
تنهد معقبًا :
- بالتوفيق اكيد طالما حاجة
بتحبيها هتنجح
قام طاهر بفتح احد الادراج واخرج منه دعوة ومد يده
بها لضياء ثم اردف :
- دعوة الافتتاح لازم تنورنا وبالمرة هتشوف شغلنا على
الطبيعة يا دوك
ولا ايه يا بيلا ؟!
وضعت احدى خصلاتها الثائرة خلف اذنها وهزت رأسها
بالإيجاب :
- اكيد طبعًا
- بإذن الله هحضر
قال ضياء جملته ثم نهض واقفًا ليرحل وبداخله نبضات
مغايرة عن نبضات قلبه
****
بعد مرور عدة ساعات ولجت من غرفتها متجهة صوب المطبخ متجاهلة وجوده فموعد الافتتاح اقترب
بينما هو كان يختلس النظر إليها وهى تعمل بمهارة
وسط الاوانى والادوات مثل الفراشة بداخله مستنكرًا
تلك القوة وكأنها تستمد قوتها من الطهى مر الوقت
هى تعمل وهو يراقبها خلسة حتى تعالت طرقات
الباب فنهض ليفتح وطالع وجه ضياء بملامحه
المجعدة ثوانٍ وتحولت ملامحه وهو يمد انفه
مستنشقًا رائحة الطعام ويسير خلفها كالمغيب قائلًا :
- وسع يا جدع انت عندك مطعم جوه
ولج للمطبخ فطالع كيان تعمل بجد فصاح قائلًا :
- ياتكاتك يا حركاتك ايه الجمال ده الريحة تفتح النفس
استجابت سريعًا لتعليقاته لتملأ ضحكاتها المرحة وجهها :
- بجد؟!
فجأة كان يقفز فوق رخامة المطبخ متلاعبًا بحاجبيه :
- لا طالما عايزة بجد يبقى لازم ادوق الاول واحكم
تناولت صحن سريعًا تضع له من كل صنف والحماس
يسيطر عليها بينما وقف كنان يغمض عيناه لبرهة محاولًا تمالك اعصابه كى لا يقوم بخنقهما معًا
مدت يدها بالصحن لضياء وقفت كمن ينتظر نتيجة
الشهادة الثانوية لحصوله على الكلية التى يريدها
اما هو كان يلتهم الطعام بنهم شديد كأنه كان عمرًا
يتضور من الجوع
قبل أن يهم كنان بالمغادرة وقعت عيناه على شفاهها
الخوخى وهى تأكلهم باسنانها اثر الخوف اول مرة
ينتبه إلى بشرتها البيضاء الصافية واهدابها السوادء
ملامحها بريئة كطفلة مازالت فى الروضه
فاق من تأمله على صوت ضياء :
- مش معقولة بجد انتى اللى عاملة الأكل ده ؟!
لا ده اكيد شيف عالمى
- بجد عجبك كله انا اللى عملتوا ده اكل مطلوب منى
ردت عليه والفرحة تتملكها من الداخل
صفق بيده عاليًا قائلًا :
- لا بجد شابوه انا خلاص مش هاكل غير من ايدك بعد كدة
المهم نبدأ من جديد
ضياء المحمدى .دكتور جراح تجميلى
بابتسامة واسعة بادلته التعارف :
كيان عاصم عز الكومى
رابعة اداب تاريخ.. شيف مبتدئة
كيله طفح منهما فاردف باغتياظ :
- خلصت حفلة التعارف اتفضل قول جاى ليه ؟!
هبط من على الرخامة :
- طبعًا البيه فيجتريان محروم من النعم دية
التو فمه ساخرًا وهو يرمقها بنظرة ذات مغزى بينما
هى نظرت له باستعلاء وتابعت عملها
***
- انا كلمت كيان وشكلها حد لذيذ ويارب تطلع زى
منظر اكلها
دمها خفيف كمان على الواتس لو كدة هعتمد
عليها الفترة الجاية
قال طاهر جملته بتلقائية وهما يجلسوا معًا فى المطعم بينما هى تبدلت ملامحها وصمتت لحظه ثم ردت مندفعه :
- هى اكيد مش فاضية هى بتدرس ودية اخر سنة ليها
اشتعل الفضول برأس طاهر فهتف :
- انا مش مصدق انها بتدرس هى فى كلية ايه
بس انا بحب النوع ده اللى مش بيفرق معاه لا سن
ولا وقت المهم تحقق هدفها
اجابته بضيق :
- معرفش فى كلية ايه كانت قالت قبل كده ومهتمتش
بالتفاصيل اوى يعنى
ثم استرسلت بارتباك : طاهر معلش عايزة اروح
عقد حاجبيه من تحول حالتها ثم مازحها :
- كل ده عشان عزمتينى خلاص هحاسب انا
لم تتحمل بيلا مزحته فنهضت واقفه تهتف :
- اسفه بس تعبت فجأة يا طاهر محتاجة اروح
التقط سلسال مفاتيحه وهاتفه قائلًا بتوجس :
- تعبانة تروحى المستشفى طمنينى
- لا حاجة بسيطة هروح ارتاح
قالت جملتها وهى تحمل حقيبتها وتحركت خارج اعتاب المطعم وهو خلفها قائلًا :
- طب اوصلك طيب عشان اطمن
- لا ميرسى يا طاهر انا لما هوصل هطمنك
****
يستمع له مهتمًا ثم لوى فمه ساخرًا وهو يقول :
- ايوة وانا مالى بكل ده بقالك ساعه بترغى خير مش
فاهمك..
او فاهمك ومش عاجبنى الحوار
تنهد بعمق وهو يحاول تهدئة نفسه ثم اردف :
- يا جدع مالك بقيت قفوش كده وانا جاى اشحت
منك عايزك معايا بس فى الافتتاح الله مش دية
الشركة المصممة لينا
هز كنان رأسه بنفى ليقول :
- تؤ تؤ وانت رايح تجامل الشركة بقى ولا صاحبة
الشركة أنا وضعى ايه
قطع حديثهم رنين الهاتف عقد ضياء حاجبيه قائلًا :
- ده رقم دولى شكله ماما او مامتك عايزه تطمن
عليك اصلى بقيت السكرتير بتاعك
ثم نهض وتوجه نحو الشرفة ليجيب على الاتصال
بينما كنان توجه صوب المطبخ مدعيًا العطش
وقف على اعتاب المطبخ المفتوح ثم حمحم :
- عاوز كوباية مية بس اكيد مش هعرف ادخل
اخذت تبرطم ببعض الكلمات ثم وضعت كوبًا من الماء
امامه، فارتفع حاجبه تلقائيًا :
- كل ده عشان كوباية مية ما انتى كنتى فتحاها مائدة
الرحمن من شوية هنا .. بعدين هو دكتور تجميل تقوليلوا اتشرفت وانا تقولى لي دكتور نفخ صح ؟!!
اجابته بنبرة باردة وتعمدت اغاظته :
- انا بردوا ليا نظرة فى البنى ادميين وده شكله يدى دكتور
جز باسنانه على شفتيه السفلى ويضع كوب الماء بعصبية على السطح الرخامى فأدى إلى سقوط الكوب وسكب الماء منه قائلًا :
- قصدك ايه ؟!
لا تصدقى انا حتى مش عايز اعرف قصدك لانه ميفرقش معايا
استدار كنان وخطى خطوتين فقط وكان ضياء يقف
امامه يهتف :
- دية بيسان خطيبتك ..
↚
الاحتواء ليس صعبًا لكنه يتطلب ثقة كل طرف بالأخر
***
الصدمة نزلت عليه الجمت لسانه وحواسه رمقته بنظرات
نارية جزًا على شفته السفلى وهو يحذره من استكمال حديثه ثم استدار
سريعًا ليرمقها وجدها تنهض من الارض كانت تجفف
الماء ويبدو عليها انها لم تسمع شئٍ، بينما هى رمقته باغتياظ ثم هتفت بحدة :
- اييييه واقفين بتتفرجوا على ايه ؟!
رفع ضياء يديه دلالة على الاستسلام هاتفًا :
- أنا ماليش دعوة
لكمه كنان فى كتفه قائلًا :
- انجز يا عم المسالم انت
تحرك معه صوب الشرفة ثم اقترب منه :
- انت يا بنى ادم غبى ايه خطيبتك دية قدامها ها
مال ضياء رقبته نحو اليسار قليلًا وهو رافعًا احدى حاجبيه :
- هى ايه الحكاية بالظبط ؟!
- ولا حكاية ولا رواية الموضوع كله البنى ادمة اللى جوه دية انا معرفش عنها حاجه غير انها فى نظرى
حرامية .. كمان بيسان لسة مش خطيبتى دية مجرد
كلام بين الامهات مش اكتر مفيش حاجه رسمى
قال جملته بتلقائية رافعًا حاجبه باستهزاء، قهقة
ضياء عاليًا قائلًا :
- طب والله قولت انت جاى هنا مش عشان توريط اسم ابوك بس عشان تهرب من بيسان..
حك ضياء ذقنه بتفكير ثم رمقه بنظرة ذات مغزى :
- بس انت قد الكلام ده .. ده نهلة هانم لو سمعتك
تقلب الدنيا مراجيح وتركب على مقشة زى الساحرة الشريرة.
قاطعه كنان محذرًا :
- متنساش انها امى اتلم
ابتسم بمكر :
- مين اللى جاى معايا الحفلة بكرة ؟!
- مش انا ماليش فيه
جلس ضياء على المقعد خلفه واضعًا قدمًا فوق الأخر
قائلًا بخبث :
- اولًا ده افتتاح مكتبة يعنى كتب وهتلاقى مزاجك
ثانيًا واوعى تفهمنى غلط اصلى ممكن كلمة توصل لانطى نهلة على جو كرومبو اللى انت عاملهُ والبحث عن الجريمة ده وان حياتك فى خطر .. او طبق اكل من ايد كيان فقول انها
احسن من خطيبتك تنكة هانم ..
توسعت عيناه بذهول من الصدمة :
- ضياء انت بتساومنى انت اتجنتت
صمت للحظة قبل ان يوجه بصره نحو طيف الواقفة هناك قائلًا :
- الضرورات تبيح المحظورات
عايزك معايا انا حاسس انها مش طايقانى وده وحش
في حق تاريخ الصياعة بتاعنا
نظر له باشمئزاز ثم اردف بتفاخر :
- لا حاسب انا تاريخى زى الفل
بعدين حاسس مش متأكد ؟!
انا مش عارف انا مستحملك فى حياتى ليه ؟!
صمت للحظة مفكرًا ثم اجابه :
- الحب يا كيكو بقى
*****
اشرأبت بفيروزتها إلى السماء التى غابت شمسها
لتحتجب خلف تلك الغيوم الرمادية الكئيبة مثل روحها
تخرج زفيرًا من فمها تشعر وكأن
روحها تتبخر مثل الهواء المنبعث من فمها، قلبها محطم
هل هى بالفعل عشقت طاهر تنهدت بأسى قطع شروها
والدتها هامسه :
- بيلا واقفة عندك ليه كده؟!
وقافله الفون بتاعك ليه ؟!
طاهر اتصل عشان يطمن عليكى
انعقد حاجبيها تهمس باستنكار :
-طاهر ؟!
هزت والدتها رأسها بالايجاب :
- ايوة كلميه كان قلقان عليكى ؟!
هو انتى تعبانة ؟!
نظرت لها بأعين خاوية قائلة :
- لا بس عشان ضغط الافتتاح متقلقيش
لم تقتنع بحديثها لكنها انصاعت لرغبتها فى الا تضغط عليها فى الحديث مردفة :
- طب ادخلى حبيبتى ريحى ونامى قبل الافتتاح
هزت رأسها فى صمت وسارت خلفها ثم اغلقت الشرفة
وتوجهت إلى الفراش تجلس ثم انحنت لتخلع الجهاز
****
مر اليوم التالى سريعًا بدون احداث تذكر حيث جاء
الموعد المحدد للافتتاح كان افتتاح ذو طابع كلاسيكى
يتناسب مع شخصية بيلا، الاجواء هادئة والموسيقى
هادئة ولجا كنان يرتدى حلته السوداء، وضياء الذى كان يرتدى قميصًا وبنطال باللون الاسود ويحمل هدية معه
يبحث عنها بانظاره فوقع بصره عليها وهى تقف
مع طاهر لا يسمع من حديثهم شئٍ ولا يرى سوى
ابتسامة تزين ثغرها لا يعلم لَمِ شعر بضيق
فى صدره تنهد واشار لكنان برأسه نحوها وهو
يسبقه بخطوات فتابعه حتى وقف امامها ثم تحمحم :
- مساء الخير
استدار له طاهر بترحيب ماددًا يده :
- دكتور ضياء نورتنا بجد
حاول ان يتغاضى عن صيغة المثنى التى يجمع نفسه
معها دائمًا ابتسامة فاترة قائلًا :
- بنورك .. دكتور كنان شريكى
- اتشرفنا
تلك الكلمة التى اردفها معًا كل من بيلا و طاهر
ابتسم كنان ثم قال بنبرة هادئة :
- الشرف ليا التنظيم بتاع الافتتاح على مستوى عالى
بجد كده انا هطمن على شغلنا.. بس هو ده اكيد ذوق
حد بيحب الكتب طبعًا
تحولت فجاءة لطفلة صغيرة سعيدة بالاطراء قائلة بنبرة طفولية :
- بجد يعنى الافتتاح والاجواء حلوة انا تعبت عليها
اوى .. بس متقلقش يا دكتور شغلك مش هيقل عن
كده نهائى
اغمض عيناه بانفعال فهى لطيفة مع الكل سواه ثم
فتحها هو يمد يده نحوها بالهدية، فرفعت اهدابها
إليه باستيحاء ثم همست برسمية :
- ميرسى .. ماكنش فى داعى تعبت نفسك
كاد أن يختنق من طريقتها، فاستئذن طاهر ليرحب
ببقية الضيوف وانسحبت هى ايضا بلباقة لتنضم
لصديقاتها
جاب كنان المكان بعيناه بانبهار ثم وقعت عيناه على
من يشتعل بجانبه فهز رأسه ضاحكًا :
-ايه يا عم المشتعل مالك ؟!
اوعى تكون بتحب وغيران وكده
فاقترب منه ليردف بحزم ونبرة الضيق لم ينحج فى
اخفاءها :
- مش فاهم مالها بتحاول تتجاهلنى ومش طايقنى
ده غير الاخ طاهر الملزق اللى بيتكلم بصيغة إنهم واحد
قهقة كنان على حالته قائلًا بخبث :
- انت غريب ياجدع مش يمكن واحد فعلًا
سيبك الحفلة مليانة مزز تفتح القلب
- الصراحة يتاكلو اكل بس انا بحاول اغض بصرى
ابتسم كنان بتهكم قائلًا :
- لا وانت اللهم قوى ايمانك
****
بينما على الجانب الاخر اصدرت تأوه خافتًا اثر ارتطمها بحائط بشرى ادى إلى
وقوع حقيبتها ارضًا رفعت عيناها تنوى الاعتذار فهى
كانت تسير فى عُجالة لكن عندما انصدمت بعيناه تحولت ملامحها لشراسة :
- احنا هنستهبل بقى ؟!
صمت لحظة ليهتف بنبرة مشدوهة :
- انتى تانى ؟!
عقدت ذراعيها امام صدرها وهى ترمقه بنظرات استحقار قائلة باستهجان :
- والله !!
ده على اساس انها مش مقصودة
تمتم مستغفرًا وبداخله مستعجبًا من تشابه الشكل والطباع بينما يميل برأسه ناحية اليمين ثم قال بابتسامة ساخره :
- اكيد مش هوصل لكده يعنى .. بعدين انتى مكبرها
فى حق نفسك
توسعت عيناها بذهول وكادت تمطره بوابل من الشتائم
لكنها صمتت ومازالت متشبثة بنبرتها الغاضبة :
- انت قليل الذوق ولولا الافتتاح كنت عرفت رديت عليك كويس
ثم همست بنبرة خفيضة :
- دلوع مامى اوى
إلتقط أذنه همساتها، لوهلة شعر برغبة فى صفعها لكنه
تسلح بقناع البرود وهو يحك ذقنه قائلًا :
- دلوع مامى بس اعجبك اوى
انفرج فاهها مصدومة من جرأته فهزت رأسها بيأس
وتجاوزته، بينما هو وضع يده على صدره هامسًا :
- لسانها عايز قصه بس عسل
***
- مش دية كيان مراتك اللى جاية هناك دية
تلك الجملة اردفها ضياء
رفع عيناه يطالعها كانت ترتدى فستانًا اسود وحجابها
الوردى الذى يتماشى مع بشرتها الحليبيه، تمعن النظر بها
وهو يفكر فهو لم يفهمها حتى، الآن وما دفعها للجوء لشقتهم، فهو عاش معها لكنه يجدها
خليط غريب من الغموض والحيرة والالم والطفولة
والأهم التسامح بداخلها طفلة تتراضى بكلمةٍ
صدح صوت ضياء مناديًا :
- كيان
رفعت نظرها لهم فى نظرة سريعة ثم تحاشت النظر إليه
وهى تتقدم بخطواتها نحوهم قائلة :
- اهلًا
انتوا هنا ليه ؟!
بادرها ضياء بالحديث :
- احنا هنا مدعوين الانسة بيلا هى اللى بتصمم افتتاح
المركز التجميلى بتاعنا
انتى تعرفيها ؟!
ردت سريعًا وهى تهز رأسها كى تنهى الحوار وتنصرف :
- انا بتعامل مع الانسة بيلا من فترة
انا متعهدة الأكل بتاع الاحتفال
كل ذلك وكنان يراقب ربكتها فى الحوار وهى تحاول
أن تنهى الحوار معهم، يشعر انها تعانى من اضطربات
نفسية ، تضع حاجز بينها وبين العالم الخارجى
بينما توسعت عين ضياء بسعادة قائلًا :
- بجد يعنى طلع ذوقها عالى زى فى الأكل
- مش فاهمة تقصد أية !!
سألته مستفسره عند قصده، ثوان وكان البوفيه يفتح
ورفع بصره وجد بيلا تتوجه مع صديقاتها فقال :
- لا متركزيش بس عن إذنكم مقدرش افوت الاكل
والجمال ده
قال كلمته وهو يغمز بعيناه لكنان ثم انصرف أما هى
فلم تعيره انتباه وتقدمت تقف على بعد خطوات تراقب
ردود الافعال على الطعام وهى تأكل شفتيها بتوتر
بينما على بعد خطوات وقف كنان يراقبها هو لا يصدق
انه تزوج من فتاة لا يعرفها لا يعرف عنها شئٍ، لا يصدق
انه تزوج من لصة، تنهد بثقل ففى النهاية هى ضحية
الدناءة والخسة لمن يغشون فى مواد البناء ولا يهتمون
بالأطفال والكبار هدفهم الأول والأخير الربح ولسوء
حظه تورط والده فهذه الصفقات المشبوهة تقدم ووقف
بالقرب منها وهو يضع يده فى جيب بنطاله والأخرى يقرص مؤخرة انفه قائلًا :
- على فكرة اللى هيشوفك كده هيفتكر حاجة من الاتنين اما اول مره تشوفى الأكل اما حاجة تانيه
استدارت له بحدة وهى تمتم مغتاظة :
- تقصد أيه ؟!
رفع كتفاه بلامبالاة ثم نظر امامه ونظرت هى ايضًا امامها مدعية البرود والثبات بينما التوتر جلى على
ملامحها ثم قالت :
- ما يهمنيش رأى حد وانت حر فى تفكيرك
بنى ادم مستفز اوى
دنا منها اكثر بشكل ملفت وهو يجز على شفته السفلى وبابتسامة صفراء قال :
- انتى قد الكلمة دية ؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة وهى تجوب بعينها المكان قائلة :
- انت ازاى تقرب منى كده انت اتجنتت
ابتعدت عنه وهى ترتجف فلأول مرة رجلًا يكون بهذا
القرب انصرفت مسرعة بعيدًا بينما هو هتف بنبرة
مشاكسة :
- انا مش هسيبك إلا لما عرف حكايتك
****
- على فكرة انتى النهاردة جميلة اوى
تلك الكلمات اردفها ضياء وهو يقف خلف بيلا
استدارت بيلا والامتعاض على ملامح وجهها بقوة :
- المرة دية سمعتك كويس هاا ؟!
استكمل حديثه مراقبًا ملامحها وهو يحاول سبر اغوارها :
- اجمل اميرة فى الحفلة النهاردة ، ده حقيقى واللى سمعتيه حقيقى ومش معاكسة، بس انتى واضح ان
شخصيتك عصبية
رمقته بنظرات هادئة حزينة، ملكومة مثل روحها
هى دائمًا تشعر بعجزها ولم تقدر على تجاوزه فهمست :
- تملى الحقيقة مش كاملة ومش كل اللى بتشوفوا
عينينا صح ولو سمحت مبحبش النوع ده من المجاملات عن إذنك
وقف ينظر فى اثرها مصدوم، إهدار لكرامته غير
مسبوق ولا يعلم لِمَ العنف فى ردود افعالها
****
انتهى الحفل وسار كنان بخطوات خارج مكان الحفل
لمحها تقف فى زواية وتعبث فى هاتفها فاقترب منها
يقف امامها قائلًا :
- يلا
رمشت عدة مرات تحاول ادراك مقصده ثم عقدت حاجبيها متساءلة :
- يلا ايه ؟!
- هوصلك
تحولت ملامحها للتمرد والعناد قائلة :
- لا شكرًا انا طلبت اوبر
يشعر بالغضب يتصاعد داخله استنزفت طاقته اغمض
عيونه المشتعلة ثم تحدث من بين اسنانه :
- بقول يلا انا مش هقف كده كتير
عقدت ذراعيها امام صدرها وهى ترفع انفها بعلو :
- محدش قالك تقف اتفضل
فى لحظة كان يقبض على معصمها ويجرها خلفه إلى السياره، توقف امام السيارة فاتحًا الباب وادخلها السيارة
واغلق الباب خلفها ثم استدار هو ليجلس على مقعد القيادة ثم مد يده يفك رابطة عنقه
بينما هى كان يشتعل وجهها غضبًا من سحبها خلفه
التفتت له قائلة :
- ممكن افهم بقى ايه اللى انت عملتوا
شملها بنظرة ثم نظر امامه قائلًا :
- مزاجى اعتبريها جدعنة منى
رفعت حاجبيها وهى تهز رأسها بحنق ثم همست بصوت وصل لأذنه :
- سمج اوى
توسعت عيناه بذهول فلسانها اصبح طويلًا توعد لها بداخله، اما هى تجاهلت حديثه ثم اخرجت الهاتف تطالع صفحتها الاجتماعية على موقع التواصل الاجتماعى
بعد مرور نصف ساعة كان يصف سيارته امام المسكن فنزلت وركبوا المصعد، وما أن ولجوا الشقة اغلق الباب يسحبها من يديها ولصقها بالحائط خلفها ووضع يده يستند على الحائط فوق رأسها ودنا من اذنها يهمس :
- انا ايه عيدى تانى كدة ؟!
حاولت السيطرة على رجفة جسدها بسبب قربه بهذه
الطريقة، صوت انفاسها سار مسموعًا اجابته بتقطع :
- لو سمحت كدة ميصحش ابعد
دنا منها اكثر وهو يمسك طرف حجابها يبتسم بتلاعب
على حالها :
- خلينا كدة لحد ما تفتكرى بقى
اغمضت عيناها بقوة وضربات قلبها تتسارع حتى كاد
أن يخرج قلبها من بين ضلوعها من فرط التوتر والخوف
التو ثغره بابتسامة ساخرة هامسًا ببحته الرجولية :
- طلعنا مش اد كلامنا
فتحت عيناها وتلاقت بعيناه فرمشت باهدابها عدة
مرات قائلة ببراءة الاطفال :
- ماكنش قصدى، لو سمحت ابعد كفاية كده
استقام فى وقفته يدس يده فى جيب بنطاله
قائلًا :
- كفاية عليكى كده مش هعديها تانى ماشى
انطلقت من امامه نحو غرفتها، فابتسم وهو يحك مؤخرة رأسه
↚
فى بعض الاحيان تجبرنا الحياة على تجاهل اشياء،
وأن نصمت ونبتعد ونحن بأشد الحاجة إلى الوصال
لكن هذه ما تسمى بعزة النفس
***
وقف ضياء يحاول كبح مشاعره فى الاقترب منها ثانيةٍ
يطالعها من بعيد وهى وتفف وسط صديقاتها، بالأخير
انحلت عقدت قدميه وسار إليها بعد ما انصرفت صديقاتها، وقف خلفها ثم تحمحم فالتفت له باشراقة
لم ترَ العين فى جمالها فقال :
- كدة كتير عليا والله
بدت علامة استفهام على وجهها وسألته ببراءة :
- فى حاجه يا دكتور ضياء ؟!
تنهد ضياء وهو يحك مؤخرة رأسه :
- ضياء بس كفاية من غير دكتور
هزت رأسها بالايجاب :
- تمام
ثوانٍ وانضم لهم طاهر بابتسامة واسعة :
- ايه رأيك بقى يا دوك فى شغلنا
اجابه بابتسامة فاترة وهو يجز على اسنانه :
- جميل اوى زيك ياباشمهندس
ثم استرسل موجهًا حديثه لبيلا :
- الوقت اتاخر تحبى اوصلك فى طريقى
قهقهة طاهر وهو يضرب كتف ضياء بخفة قائلًا :
- لا دية شغلتى يا دوك انا بقيت السواق الخاص
بتاعها، سواق الهانم كده
احتقنت ملامح ضياء وهو يتمتم بخفوت :
- ابو غتاتك جدع رزل، دم أمك يلطش
ظن طاهر انه يحدثه فسأله :
- بتقول ايه يا دكتور ؟!
طالع بيلا بابتسامة واسعة :
- ده انت محظوظ بس
ثم انصرف ضياء واضعًا يده على قلبه قائلًا :
- طب ليه الغدر والخيانه دية، مش كنا متفقين مالناش
فى جو الحب والتلزيق ده عجبك سحلتى دية وراها
*****
وقفت كيان امام المرأة وهى تفك حجابها، مدت يديها تتلمس وجنتيها
المشتعلتين، لازالت اللحظات السابقة تسيطر عليها
تنظر لنفسها فى المرآة وهى تتأمل نفسها بضعف
قائلة بنبرة متألمة :
- يارب ماليش غيرك عارفة انى غلطت بس استرها
معايا لحد ما الجدع ده يمشى
تراجعت للخلف ترمى بجسدها على الفراش لتقع فى
النوم على الفور
*****
فى صباح اليوم التالى
وقفت على اعتاب الغرفة ترمق البهو بتوجس فوقعت عيناها عليه يرتشف قهوته، خطت قدمها للخارج بصمت
وهدوء، فما حدث ليلة امس جعلها تراه بشكل مخيف
وقفت فى المطبخ بارتباك تعد الفطور
لاحظ وهو يجلس على الاريكة المقابلة للمطبخ مدى توترها وتخبطها بين ادوات الطهى ابتسم وهو يقرص
مقدمة انفه محاولًا كبح ضحكاته على الفوضى التى
سببتها فى المطبخ من اجل كوب قهوة، نهض من مكانه
يضع كوب القهوة الفارغ فى الحوض ثم وقف وراءها
يبتسم قائلًا بجوار اذنها :
- معقول، مش سامع صوتك
ابتلعت خوفها ثم استدارت وهى تستند على الرخامة خلفها طرق على الباب انقذها منه
فرمقها بنظرة سريعة ثم هز رأسه وتجاوزها ليفتح
الباب، طالع وجه ضياء فالتوا ثغره قائلًا :
- نعم على الصبح خلفتك ونسيتك مش كلها
شوية وهقابلك
اغلق ضياء الباب خلفه، وسار للداخل :
- انت ازاى اصلًا تمشى امبارح من غير ما تقولى
وهو يسير للداخل وقعت عيناه على تلك الواقفه فى
المطبخ فابتسم ثم جلس امامها على المقعد قائلًا :
- صباح الجمال على اجمد شيف فيكى يا مصر
تلاشت ملامح القلق والتوتر وابتسمت برقة ثم قالت :
- صباح الخير
- ده ايه الصباح العسل ده اجمل صباح ده ولا ايه ؟!
صدح صوت كنان وهو يزمجر به فاكمل ضياء حديثه
معاها :
- قولت اجى الحق افطر من إيديكى فطرتى
هزت رأسها بالايجاب ولم تستطع ان ترفع عيناها من
ذلك الذى يقف امامهم كالبركان الثائر، التفتت له
ضياء ببرود قائلًا :
- ورايا نتخانق جوه براحتنا
******
وقف كنان وضياء فى الشرفة ينظران امامهما بصمت خرج كنان عن صمته قائلًا :
- خير يا ضياء ؟! ايه اللى جابك ؟!
صمت ضياء لحظة متنهدًا :
- شاغلة تفكيرى اول مرة اللى بيحصل ده
حابب اتكلم معاها اعرفها ومش مديانى فرصة
والبنى ادم اللى اسمه طاهر ده لازق ليها مش عارف
حاجة عنها كنان الموضوع لازم حل حاسس انه هيقلب
بجد
اغمض كنان عيناه وهو يسند بمرفقيه على سور الشرفة
ثم استقام فى وقفته معارضًا لحديثه :
- اللى هو ازاى مش يمكن بجد بيحبوا بعض مالك ياضياء
مفيش تفكير، بجد ازاى من يومين ؟!
ضياء بحزن بلغ ذروته تنهد قائلًا :
- مفيهاش ازاى وممكن من اول ساعة من اول نظرة
هى كده، على العموم متشغلش بالك سلام
سحب كنان نفسًا طويلًا ثم فرك وجهه بيديه مردفًا :
- استنى هنا .. انا هحاول اتصرف واعرف حكاية
الاستاذ اللازق ده
أوما برأسه ثم ضيق عيناه كمن يحضر افكاره لسرقة مصرف :
- هنعمل اية يا كبير نخطف طاهر ونهدده او نقتله ونرتاح منه
نظر له بقلة حيلة ثم تحدث من بين اسنانه :
- امشى يا ضياء استنى تحت هلبس ونروح ليها
الشركة وانا هناك هعرف بطريقتى
تحمحم ضياء :
- طب هفطر مع كيان الاول
- ضيييياء
صاح كنان بغضب، بينما رفع ضياء يده دلالة على علامة
الاستسلام وانصرف من امامه
*****
وصلا ضياء وكنان لمبنى الشركة وسار كنان بكل
هدوء وثقة مال عليه ضياء يهمس فى أذنه :
- ده مكتبها اهو
مال عليه كنان هو الاخر متسائلًا :
- مكتب طاهر فين ؟!
هم ضياء بالمعارضة فقاطعه كنان :
- هششششش انا عارف انا بعمل ايه
اشار ضياء على باب فى الجهة اليمين فتقدم كنان
وخلفه ضياء طرق على الباب ثم ولج للداخل
ابتسم طاهر بترحاب :
- اهلًا نورتونا .. نورت المكتب يا دكتور كنان
رمقه ضياء بنظرات حائرة، بينما تحدث كنان بثقة :
- امم، قصدك تقولى يا دكتور عشان اقولك يابشمهندس
قهقة طاهر :
- ابدًا، خلاص كنان
- طيب معلش الفترة اللى فاتت معرفتش اجى مع ضياء كنت مشغول ممكن اشوف الشغل والتصميم
تحدث كنان برزانة بينما رد عليه طاهر بعملية شديدة
وفتح حاسوبه وشرع فى فتح الملفات كان كنان
يتابع باهتمام شديد بينما كان ضياء يجلس على
الجمر ، انتهى كنان اوما برأسه ايجابًا قائلًا :
- لا الشغل ممتاز، ده كمان تصميم الافراح روعة
اكيد بعد الافراح دية كلها والشغل ده نويت على
الجواز
اشار طاهر إلى صدره ثم هز رأسه بالنفى :
- مين انا .. لا لا استحالة لسه مجتش اللى تهز قلبى
وتهدم حصونه
فجأة نط ضياء من على مقعده صائحًا :
- الله اكبر .. الله اكبر
جز كنان على شفتيه السفلية لاعنًا غباء صديقه
اما طاهر قطب حاجبيه باندهاش
لاحظ ضياء تسرعه فجلس على مقعده وهو يطالع
كنان بترقب ضحك كنان قائلًا :
- اخيرًا لقيت حد شبهك عشان كل ده
اصل دية وجهة نظر ضياء وماصدق لقى حد زيه
لا يعلم طاهر لِما صورة تلك المشاكسة ظهرت امامه
الآن، اومأ برأسه بالايجاب مردفًا :
- كنان انت مش معانا ؟!
رفع كتفه ثم قال غير مكترس للأمر :
- الصراحة ماليش فى الجو ده، اصل بحس ان الرومانسيات للبنات مش اكتر، يعنى اكيد الانسة بيلا
هى اللى تبقى نفسها مفتوحة للجواز بعد الشغل ده
اجابه طاهر بكل بساطة :
- لا بيلا بقى رافضه الفكرة كلها حاسس اننا مش
لايقين على الشغلانة دية
انهى جملته ثم نهض واقفًا مصافحًا طاهر قائلًا :
- طب يادوب نلحق نشوف المركز .. اسف عطلتك
*****
- انت غبى صح اللى عملتوا فوق ده
تلك الجملة اردفها كنان بعصبية
- ما خلاص بقى يا كنان عدت خلينا فى المهم هنعمل
ايه دلوقتى مع بيلا دية طلعت كده معقدة
اردف ضياء ساخطًا وهو يفتح باب السيارة
توسعت عين كنان وهو يضرب سطح السيارة :
- ايه هنعمل ايه دية ؟!
انا مالى لحد كده وخلاص اهى طلعت مش مرتبطة اكتر
من كده ميخصنيش وتبطل تحشرنى فكل حاجة
ثم إنك بتفتح باب العربية ليه ؟!
رفع ضياء حاجبيه مستنكرًا سؤاله :
- جاى معاك ياجدع انا جاى من غير عربيتى
اشار كنان برأسه على الباب وهو يزمجر قائلًا :
- اقفل الباب ده اقفلوا يا ضياء متعصبنيش
اغلق ضياء الباب مبتعدًا عن السيارة وهو يرمقه بسخط
ثوانٍ وكان كنان يجلس خلف عجلة القيادة وانطلق
مسرعًا فاصدر غبارًا فى الجو، لوح ضياء فى الجو
ليبعد آثار الغبار قائلًا :
- ما تلاقى ماما اللى جايبهالك، اه لو امه سمعتنى
*****
ولج طاهر لغرفة مكتب بيلا ثم اطلق صفيرًا :
- سيدى ياسيدى بقالى ساعة بخبط اللى واخد عقلك
ابتسمت باستيحاء فكيف تقول له أنه هو من يشغل
تفكيرها :
- بجد، سورى مانمتش كويس من امبارح الافتتاح
طير النوم من عينى
سحب المقعد وجلس امامها يسألها :
- بجد عجبك ؟!
- اووووى
قالت جملتها والسعادة تغمر روحها، ابتسم ثم اعتدل
فى جلسته متسائلًا :
- بيلا هو انت تعرفى كل البنات اللى كانوا امبارح فى الحفل
هزت راسها بالايجاب وبداخلها ينقبض تشعر بما هو قادم ابتلعت ريقها ثم اجابته :
- اكيد كل اللى كانوا موجودين اعرفهم
حك مؤخرة رأسه قائلًا :
- اصلى فى بنت كدة كنت شفتها مرتين وكل مرة
يحصل بينا تصادم، هبقى اجيب الفيديو وتقوليلى
مين ؟!
دب الصداع برأسها فقالت بتثاقل :
- تمام
رفع نظره لها فورًا وسألها سريعًا :
- صحيح الأكل كان روعة ، ايه رأيك نتعاقد مع البنت
دية وتبقى معانا فى كل الحفلات، انا ليه مش شفتها
امبارح المفروض تاخد باقى حسابها هى فين
تمتمت بوجه عابس :
- المفروض تيجى النهاردة او بكرة وقت ما تيجى هبلغك
***
فى المساء ولج كنان للشقة فوجدها تجلس على الاريكة وامامها التلفاز على احد القنوات الافلام الكارتونية ودموعها
تغرق وجنتيها، تنظر دون ان ترى شئٍ او لا تعى شئٍ تضع يديها على شفتيها تحاول أن تكتم شهقاتها
ظل واقفًا خلف الأريكة يوزع نظراته بينها وبين
التلفاز لا يجد سببًا لكل هذا البكاء وكأنها فقدت
احد افراد اسرتها للتو يرى العجز والخوف يسيطر عليها
بينما هى كانت شاحبة كالاموات فاقدة الحياة، حاضره امام التلفاز تشاهد فيلم كارتونى بينما هى فى عالم اخر
من الذكريات، مشاهد محفورة فى ذاكرتها تظل تخترق روحها ظنت ان الوقت هو المعالج لها، وانها تعافت لكن
مازالت روح الطفلة بداخلها تتألم
استدار ليقف امامها تشنج جسدها فور رؤيته ونهضت
مسرعة تخفى دموعها وهى تنظر للأرض لكن دموعها
العالقة باهدابها اعاقة الرؤية فتعركلت فى طرف السجادة وكادت ان تسقط لولا يديه التى حالت بينها
وبين السقوط قائلًا :
- فى ايه مالك ؟!
حصل حاجة ؟! انتى كويسة ؟!
فلتت منه مسرعة دون ان تنبس بكلمة واحدة واندفعت إلى غرفتها تتوارى بين حيطانها اما هو تنهد بثقل وهو يرتمى بجسده على الاريكة خلفه قائلًا :
- وبعدين بقى مع البنت دية
*****
فى صباح اليوم التالى
- صباح الخير، طلبتينى ؟!
تلك الجملة اردفها طاهر وهو يجلس امام بيلا
اغمضت عيناها وتنهدت بثقل قائلة :
- صباح النور يا طاهر، كنت عايزاك تحضر باقى حساب
كيان هى جاية دلوقتى وبالمرة لو عايز تتفق معاها
تبقى معانا
طرق باصابعه على سطح المكتب ثم تحمحم قائلًا :
- تمام الحسابات جهزوه اصلًا، امممم انا كنت نزلت فيديو
الافتتاح على الفون وكنت عايز اسالك على البنت
دية
رمقته بنظرة مستاءة ثم عقدت حاجبيها بتشكك قبل
ان تسأله :
- هى مهمة اوى كده ؟!
ابتسم وهو يمرر يده بين خصلات شعره قائلًا :
- هى الحكاية
قطع كلماته طرق الباب، فرفعت بيلا نظرها صوب الباب
فطالعت السكرتيرة قائلًة :
- الانسة كيان بره
هزت رأسها بعملية :
- تمام دخليها
ولجت كيان للداخل بابتسامة واسعة قائلة :
- صباح الخير
ابتسمت بيلا :
صباح ..
لكن طاهر لم يعطيها فرصة للرد، بلحظة اصبح امامها
وهو يقول :
- انتى ؟!
↚
ماذا لو اجبرت على الاختيار بين الحب والكرامة ؟!
****
اتسعت عيناها بصدمة ثم جزت على اسنانها لتردف بذهول :
- انت ايه اللى جابك هنا ؟!
غمز لها بطرف عيناه قائلًا بخبث :
- لا بقى ده انتى بتراقبينى وماشية ورايا
رفعت سبابتها فى وجهه ثم قالت بنبرة تحذيرية :
- مسمحلكش، حاسب على كلامك معايا
لم تعد تتحمل الصراع بينهم اكثر من ذلك لتتحدث بحدة :
- هو فى ايه انتوا تعرفوا بعض ؟!
عاد طاهر ليجلس على كرسيه ثانيةً، نظرت له كيان شزرًا لتردف :
- معرفوش صدف غريبة او على حسب بقى
قهقة طاهر وهو يطرق كفًا باخر قائلًا :
- بردوا انتِ مصممة
علا تنفسها الحاد من شدة مشاحنتهم التى ارعبتها
من داخلها بشدة قائلة :
- كيان لو سمحتى اقعدى عشان نتكلم
توجهت كيان تجلس فى المقعد المقابل له وهى تتجاهل النظر إليه، اما هو فيراقبها بابتسامة واسعة
اغمضت بيلا عيناها لبرهة ثم تحدثت وهى تشير
بيدها صوب طاهر لتبدأ فى تعريفه قائلة :
- باشمهندس طاهر يا كيان شريكى وهو اللى ماسك
كل حاجة معايا
دية كيان الشيف بتاع الإحتفال يا طاهر
مازال طاهر ابتسامته تزين ثغره ليردف بتسلية :
- اتشرفنا فرصة سعيدة يا انسة كيان
زمت شفتاها وهى تطالع امامها ثم همست بخفوت :
- شكرًا
تنهدت بيلا واكملت حديثها :
- طب يا كيان الباشمهندس عجبه الأكل والتنسيق
وحابب تنضمى للفريق بتاعنا .. انا قولتلوا انك مش
فاضية عشان انتى فى سنة رابعة
قاطعها طاهر مسرعًا وهو يحاول اقناعها قائلًا :
- طب سنة رابعة وكلها كام شهر وتخلصى وتبقى معانا
دية فرصة كويسة
مازالت تنظر لبيلا وتتحاشى النظر إليه ثم تحدثت بعلو
وهى ترفع رأسها عاليًا :
- هفكر واشوف ظروفى وهبلغك ياانسة بيلا
يبتسم رافعًا احدى حاجبيه وهو يطالع طريقتها الطفولية
ولم يبالغ ان قال انها كتلة لطافة متحدثة قرر مشاكستها
اكثر :
- طب هستنى ردك بقى متتأخريش
زمت شفتيها بغضب طفولى ثم نهضت واقفة ومدت يديها لبيلا لتصافحها ثم استأذنت قائلة :
- عن إذنكم
اولتهم كيان ظهرها وتوجهت صوب الباب وادارت المقبض وخرجت
تحمحم طاهر ثم نهض واقفًا وهو يقرص مؤخرة انفه
قائلًا :
- عنيفة اوى، همشى أنا بقى
****
يسير ضياء و كنان معًا فى اروقة المشفى ليتفقدوا التجهيزات، كلما تذكر أن اعمال البناء اوشكت على
الانتهاء واقترب موعد رحيله ولم يصل لهدفه الأساسى
وهو ايجاد ذلك المقاول، يتعكر مزاجه ويشعر بثقل
على صدره، نظر له ضياء بطرف عينه وإدرك ما به :
- ايه روحت فين ؟! مش عاجبك التجهيزات
تجول بنظره فى المكان من حوله ثم رمقه ثانية قائلًا :
- ممتاز، بس كده الوقت بيجرى وموصلتش للزفت ده
رفع بصره وهو يحاول ايجاد سببًا لاجباره على البقاء معه :
- ونسافر ليه ؟!
طب ما الفرع اللى فى دبى عمو بيديرُه واحنا هنا
هنبدأ من جديد ليه نسافر
انحنى كنان برأسه نحو اليسار وقد اتخذت الصدمة
معالمه ، لم يصدق أنه سيفضل المكوث هنا فهو قد
بذل مجهودًا كبيراً لأقناعه لافتتاح فرع المشفى هنا فتحدث كنان باستنكار :
- انت عايز تقعد هنا ياضياء ؟!
مالت شفتيه لليسار بابتسامة ثم اكمل :
- شكلى كده او مش عارف انا بقول نأخر سفرنا
شوية مين عارف
اكتفوا بالتحديق فى بعضهم بابتسامة ثم ربت كنان على
كتف ضياء قائلًا :
- هفرح جدًا على فكرة
بس ازاى ده ؟!
اشار ضياء إلى صدره حيث موضع قلبه مردفًا :
- العضو المهزأ ده فى جسمى ده شكله هيسحلنى
رفع حاجبيه متعجبًا من رده ثم ضحك بشدة
لكنه توقف وهو يرفع معصمه وينظر فى ساعته قائلًا :
- همشى أنا، فى حد وعدنى انه هيجبلى مكان الرجل ده
خلينى اكون هناك، هو كمان كان واخد شقة ولحسن حظه انه مسكنش كان فرحه اخر الشهر
*****
وقفت فى قسم الحسابات تأخذ باقى مستحقاتها المالية
وقبل ان تمد يدها تاخذ الظرف كان يسحبه
هو للأعلى، عقدت ذراعيها امام صدرها قائلة :
- وبعدين بقى بردو المرة دية صدفة بردوا
اجابها بهدوء تام :
- مش للدرجة دية انا نازل مخصوص عشانك
بس ياريت تصدقى ان المرتين اللى عدوا صدفة
كمان بجد انت شبه حد اعرفُه
تنهدت الصعداء ثم قالت :
- يخلق من الشبه أربعين، وصدقتك، الظرف بقى
عشان اروح
انفرجت شفتاه بابتسامة واسعة قائلًا :
- طب نبدأ من جديد طاهر وانتى
- كيان اتشرفت يابشمهندس
ابتسم ثم مد يده لها بالظرف فاخذته ووضعته فى حقيبتها واندفعت للخارج لتغادر الشركة بأكملها
بينما وقف هو ينظر فى طيفها مسلوب الإرداة
****
وما أن تحرك طاهر من مكتبها فتحت سريعًا شاشة المراقبة فى الشركة لتشاهد ما يحدث وتأكدت شكوكها
ما أن راته يقف معاها والابتسامة تزين ثغره
قضمت شفتيها بقوة تكاد تدميهم، شعرت بالمرارة
والحزن احتل ملامحها وقلبها يتألم همست من بين
دموعها :
- ليه كده يا طاهر ثم استرسلت :
هو ايه اللى ليه كده؟!
هو انا اتجنتت وهو هيبص ليكى ليه اصلا؟!
انتى خلاص اتأقلمتى انك لوحدك
سمعت صوت خطوات تقترب من باب مكتبها فرفعت
رأسها تمسح دموعها سريعًا فهى اعتادت ان تبقى
كنجمة وحيدة فى سماء العتمة ..
*****
عادت إلى شقتها وهى تلعن كبريائها الذى جعلها تتردد
فى قبول عرض مثل هذا، رمت حقيبتها على الأريكة
وسمعت صوتاً عاليًا يأتى من غرفته، تقدمت على طرف
اناملها صوب غرفته وطلت من فتحة الباب الموارب
فكان يوليها ظهره ويبدو أنه يتحدث فى الهاتف
بإنفعال فوقفت على اعتاب الغرفة تسترق السمع
إليه فكانت كلماته مريبة :
- اسمع بس عشان نخلص كل حاجة من غير
ما يبقى علينا حاجة انت بس هات عنوان المكان
اللى قولتلك عليه والباقى عليه
- ده انا هطلع مش بس قلبه لا كمان هطلع عينه
خرجت شهقة منها دون قصد، فالتفت سريعًا وجدها تقف فى غرفته وتضع يديها على فمها، اقترب منها
يقبض على معصمها :
- انتى ايه اللى دخلك هنا ؟!
كيان بخوف جلى وتوتر يبدو على ملامحها :
- تجار اعضاء، انت طلعت تاجر اعضاء
اشار لنفسه وعيناه تنذر بانفجار بركانى :
- انا تاجر اعضاء انتى اتجننتى
أومأت برأسها بالإيجاب مؤكدة على كلامها :
- اومال اللى بيتاجر فى القلب والعين ده ايه ؟!
رمقها بنظرات محتقنة ومغتاظة واجابها وهو يجز على اسنانه :
- لا طبعًا انا مش تاجر اعضاء
فى ثانية كانت تملصت من يديه وقفزت فوق الفراش
خلفها وصاحت برعب وهى تضرب بكفها على صدرها :
- مش تاجر اعضاء يبقى آكل لحوم البشر مالهاش حل تانى
بس طب قبل ما تأكل اعضائى موتنى الأول
ما هو انا مش عايزة اتعذب
طرق كفًا بأخر وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا قائلًا :
- لا تاجر اعضاء ولا آكل لحوم بشر انزلى من عندك
كل الحكاية ده واحد عملى شغل غلط وكلامى ده مجاز
ابتلعت بصعوبة وهى تطالعه بتوجس :
- ده بجد ؟!
ضرب بكفه الحائط لاعنًا حظه الذى اوقعه في تلك المعتوهة :
- انزلى من على السرير وبلاش تتفرجى على افلام رعب كتير
انزلت قدميها على الأرض وهى تشعر بالخجل من غباءها فتحدثت ببراءة وهى تتجاوزه للخارج قائلة:
- انا مش بتفرج على رعب انا اخرى قنوات طبخ
وكارتون بس
قبض على معصمها برفق وهو يسألها :
- انتى كنتى منهارة من العياط امبارح ليه ؟!
هزت رأسها بالنفى وقد بدت الدموع تغزو عيناها فاجابته كاذبة :
- مفيش عادى
التو فمه ساخرًا لا يصدقها لكنه سيتركها حتى يحين الوقت ..
****
تركها وتوجه لصنع بعض القهوة التى بات عقله يطالبه
بها مع تزاحم رأسه بالكثير من الأفكار فشرد فى التفكير
ولم ينتبه للقهوة المتساقطة على الموقد لكن انتزع عقله
من شروده صوت صراخها وهى تقف خلفه :
- يالههههوى انت بتعمل ايه القهوة كلها بقت على البوتجاز
بهدلت الدنيا
رمق الموقد ثم رمقها بتهكم قائلًا :
- الصراخ ده كله ليه عشان القهوة فارت
جزت على اسنانها وهى تلوح بيديها قائلة :
- ما تفور القهوة فى داهية البوتجاز يابشمهندس مش بحبه
يتبهدل كده ماكنش خربوش قهوة
ضيق عيناه وهو يقترب حتى التصقت بالحائط قائلًا :
- انا باشمهندس مش قولتلك بلاش انا
وايه خربوش دية
ابتلعت لعابها بصعوبة ثم اردفت :
- يا دكتور ميصحش كده
قهقة عاليًا وهو يهز رأسه مبتعدًا عنها :
- دلوقتى بقيت دكتور، يعنى عارفة إنى دكتور وبتحاولى تستفزينى صح ؟!
وايه خربوش ده؟!
أومأت له ثم تحدثت بعينين لامعتين من دموع :
- انت ممكن تروح تقعد بس وانا اللى هعملك القهوة
يادكتور
طالعها بتحفز وتوتر وهو يشاهد رجفة جسدها ثم غمغم :
- تمام
*****
دلف طاهر إلى منزله وتوجه صوب غرفته ومد يده
يفتح الباب لكنه انصدم من تلك التى تخرج من غرفته
عض على شفتيه محاولًا السيطرة على غضبه قائلًا :
- خارجة من اوضتى ليه
ياهاجر ؟!
مش أنا قولت متدخليش اوضتى ؟!
رفعت هاجر احد حاجبيها بخبث وهتفت :
- ايوه بقى ليه مدخلش ؟!
حاول ان يتمالك غضبه لأخر لحظة امامها فهى لاتنفك
عن اخراج اسوأ ما فيه :
- انتى مالك اوضتى وانا حر
- اسباب مش مقنعة
اجابته وهى تضع يديها فى وسطها وتتمايل بخصرها،
اعتلت الصدمة محياه ثم صاح بها بغضب :
- هااااااجر
فى هذه الاثناء أتت والدته من الداخل مسرعة
وقطبت حاجبيها بتساؤل :
- فى ايه يا جوجو ؟!
مالك يا طاهر ؟!
جحظت عين طاهر بذهول مستنكرًا :
- مين دية اللى جوجو ؟!
رفعت هاجر حاجبيها وهى تشير لنفسها :
- انا جوجو ايه مش عجبك، تعيش مرات خالى وتدلعنى
ضم طاهر شفتيه بغيظ ثم تحدث قائلًا :
- مرات خالك تدلعك بعيد عنى، وانا مش قولت يا ماما
محدش يدخل اوضتى نهائى
صاحت والدته بنفاذ صبر :
- جرى أيه يا طاهر جوجو كانت بتساعدنى كتر خيرها
وقفت هاجر وهى ترتسم الحزن ثم هتفت مدعية البكاء :
- سبيه يا مرات خالى هو انا عشان يتيمة بيعمل معايا كده
اشفقت والدته عليها وضمتها إلى صدرها ونظرة لأبنها
بلهجة آمره لا تقبل النقاش :
- اعتذر يا طاهر
- وربنا ما يحصل ولا هعتذر
ده هى فى قمة سعادتها من يوم ما عمتى ماتت
صلى على النبى قال يتيمة قال
علمت ان حيلتها لم تنفع فاستخدمت اخر وسيلة
للدفاع وهى الهجوم انتفضت من حضن زوجة خالها قائلة :
- وانت بقى الأوضة فيها ايه مش عايزنا نشوفه
داهية لتكون بتجيب مجلات مراهقين ولا بتتفرج
على حاجات اعوذبالله
تهالكت اعصابه ثم وجه حديثه لوالدته :
- عجبك كده اطلع روحها دلوقتى
ضربت امه صدرها بصدمة :
- يالهههوى يا طاهر السكة ديه اخرتها وحشه
ضرب الجدار بيده وهو على وشك الخروج بروحها :
- ماما اسكتى الله يسترك
هاجر انتى قاعدة عندنا ليه امشى انزلي عند ابوكى
وبعدين انتى مش سامعة ساهر ابن خالك اللى ادك
طول النهار مذاكرة صوته مسمع البيت كله مفيش اى احساس بالغيرة
زمت شفتيها بضيق ثم اردفت :
- كل واحد وطموحه
- وطموح الهانم ايه ان شاء الله
رفعت رأسها بعنجهية وعلو :
- اتجوز
فرك وجهه بيده وهو يتمتم بغيظ :
- فين الطموح فى كده ومستعجلة ليه انتى كبيرك
اسبوع وتتطلقى ديه جينات عمتى
دلك جبينه فرؤيتها اصابته بدوار توجه نحو غرفته
ودخل ثم اغلق الباب فى وجهها اما هى همست :
- براحتك بكرة تيجى تحفا على بابى بس الصبر
يا طاهر
↚
رغبة الحقيقة فى الحياة تأتى عندما نتمسك بالحياه بقوة نبتعد عن ما يحزننا ونتمسك بأمل جديد
****
مضى يومين عليها كدهر تغيبت عن عملها بحجة
التعب والأرهاق لم يخضع عقلها للنوم او يتوقف
عن التفكير فى حال قلبها الاجوف الذى اعتاد الوحدة
لكنها هذه المرة لملمت شتات روحها سريعًا وقررت
حجب الحزن والضعف عن حياتها وأن تسير بعزم
وقوة وتنظر للحياة بإيجابية وتتجاوز عقباتها
فهى افضل من غيرها تنهدت بعمق وهى تنظر حولها
فى حديقة المركز قاطع شرودها صوت طاهر :
- شكله مركز كبير والحديقة بتاعته واسعه عشان
شغلنا، بس قوليلى انا حاسك متضايقة مش فكرة
ضغط بس
انزلت كتفيها ثم همست بنبرة يغلب عليها الحزن :
- شوية ضغوط كده بس تمام انا احسن دلوقتى
-المكان نور وزاد جمال على جماله
كانت هذه كلمات ضياء وهو لا يصدق نفسه أنه يراها
امامه الآن، هز كنان رأسه من الخلف على افعال صديقه ثم تقدم بابتسامة واسعة، انضموا يجلسوا فى الطاولة معهم فقامت هى بفتح الحاسوب وبدأت فى شرح التنظيمات بمهنية
عالية وهى تشير إلى أركان الحديقة ، صدح رنين
هاتف طاهر فنهض وقد استأذن ليجيب على هاتفه
ثوانٍ ونهض كنان وهو يغمز بعيناه خلسة لضياء
الذى فهم مقصد صديقه وهو يقول :
- طب ضياء كمل انت مع الأنسة بيلا
وانا هتابع الشغل جوه
ابتسم ضياء وأوما بالايجاب قائلًا :
- تمام
رحل كنان بينما ضياء وجه نظره إليها قائلًا :
- تمام اتفضلى كملى
رفعت كتفيها ثم اجابته بنبرة هادئة :
- كده خلصت خلاص فى اى تعديلات
- بعد اللى قولتيه والعظمة دية مافيش
ابتسمت لمجاملته فتحمحم قائلًا :
- بصراحة كنت ناوى اجى ليكى المكتبة بس للأسف
مش بفهم فى الكتب وماليش فى القراءة حسيت
إنى شكلى هيبقى وحش
ساد الصمت لثوانى ثم تحدثت قائلة :
- انا القراءة كل حياتى ادمان كده
اعتدل فى جلسته يقول مداعبًا :
- كنان بيحب القراءة حاول معايا فادانى كتاب من غير
ما اقصد الأكل وقع عليه والعصير واتبهدل وماكنتش
قرأت منه غير ١٠ صفحات اصلًا واتخنقت عرفت إنه
مش كارى ده بعد كنان ما نفخنى
قهقهت على حديثة وهى تهز رأسها بيأس :
- صعب اوى اللى انت عملتوا ده .. انا ممكن ارشحلك كتب تقرأها هتشدك
ارتسمت ابتسامة على شفتيه ولمعت عيناه
بوميض، كأنه كان ينتظر هذه الفرصة فأجابها والحماس
يسيطر عليه :
- ياريت ومتقلقيش مش هوقع عليهم حاجة المرة دية
ثم أكمل متسائلًا :
- هو انتى اسمك الحقيقى بيلا
هزت رأسها بنفى قائلة بنبرة هادئة :
- لأ اسمى نبيلة
- بيلا كله تمام اسف الفون كان من البيت
اردف طاهر تلك الجملة بأسف، بينما هى هزت رأسها عدة مرات بتوتر، اما ضياء صر اسنانه بقوة
يهمس بصوت يكاد مسموعًا لنفسه :
- يعنى اقوملك دلوقتى اسفلت وشك بالارض
رافع حاجبيه متسائلًا :
-بتقول حاجه يا ضياء ؟!
قبل ان يجيبه جاء احد العمال من الداخل قائلًا :
- دكتور ضياء عايزينك جوه تشوف الشغل النهائى
تأفف بضجر بينما هى وقفت تحمل حقيبتها :
- طب نسيبك لشغلك واحنا كمان نشوف شغلنا
هز رأسه على مضض اتجه للداخل وانصرفا هما معًا
****
فى السيارة تجلس بيلا بجوار طاهر ساكنة تنظر
من النافذه بصمت بينما هو قطع الصمت قائلًا :
- مين عيد ميلاده الشهر الجاى وهنعمل له حفلة
اجابته بابتسامة شاحبة قائلة :
- أنا بس بليز من غير حفلة
بادرها برد سريع وهو يحدجها بنظرات تحذيرية قوية
اما هى حاولت تغيير مجرى الحديث فتحدثت قائلة :
- انا كلمت كيان عشان الشغل معانا
التفت إليها بملامح متلهفة :
- بجد؟!!
وقالتلك ايه ؟!
حدجته بنظرة حزينة لكنه لم يفهم مغزاها فابتسمت قائلة :
- وافقت
تبدلت ملامحه فور سماع كلمتها لتحتل السعادة ملامحه قائلًا :
- طب ما تقولى على طول ايه التشويق ده
رمقته بنظرة سريعة ثم نظرت امامها تسأله بنبرة غلب
عليها الحزن :
- ماكنتش اعرف ان الموضوع مهم كده مش قصدى تشويق
التمس الحزن من نبرة صوتها هو يعلم انها شديدة الحساسية فأكمل :
- ولو حتى قصدك انتى تعملى اللي انتى عايزاه
هزت رأسها على مضض تنظر امامها فى الطريق
*****
اوقف كنان محركات سيارته اسفل البناية بعد أن صفها جانبًا لكن توسعت عيناه بصدمة حين رأها امامه تقفز فوق دراجة بخارية ترجل من سيارته مسرعًا يقف
امامها متسائلًا بصوت خشن :
- انتى بتهببى أيه ؟!
نظرت إليه كيان تجيبه بكل ثقة قائلًا :
- ايه اول مرة تشوف حد بيركب موتوسيكل
حدجها بنظرة مميتة ثم صاح بغضب :
- انتى اتجننتى شكلك.. هى الهانم بتركب موتوسكلات
ارتجفت من نبرة صوته ثم هزت رأسها بنفى قائلة :
- لا بس اللى هيوصل الاوردر اعتذر اعمل ايه
استأذنت طنط اللى فى الخامس تقول لأبنها
انى اخد الموتوسيكل بتاعه اوصل الاوردر واجى وبس
طالعها بغيظ وهو يصر اسنانه :
- وبس ايه البراءة دية، انتى ناسية انتى قايلة انتى
مرات مين انزلى من على الزفت قال موتوسيكل ابن
الجيران وهتسوقى كمان، ما تطلبى اوبر او تاخدى مواصلات
اجابته باستيحاء قائلة :
- المكان بعيد يعنى اوبر غالى ويبقى الاوردر ماجبش همه، والمواصلات الأكل هيبرد والناس مش هيقبلوا يتعاملوا معايا تانى
اغمض عيناه بيأس قائلًا بحدة :
- انزلى
سار امامها وهى سارت خلفه بضجر حتى فتح باب
السيارة قائلًا :
- اتفضلى
-انت عايزنى اوصل الاوردر بالعربية الفخامة دية
- اركبى وخلصينى احنا فى الشارع والناس ابتدت تتفرج علينا
انهى جملته ورمقها بنظرات نارية اما هى فامتثلت
لأوامره واستقلت بجانبه السيارة بعد مرور نصف
ساعة من الصمت وهى تتابع البرنامج والخرائط على
الهاتف قالت :
- ايوة هنا .. شكرًا اوى .. ممكن تنزلنى هنا وتروح انا
ممكن ارجع مواصلات عادى
فاجأها بسؤاله وهو يحمل كيس الأكل قائلًا :
- فى الدور الكام ؟!
توسعت عيناها بذهول وهى تحاول خطف الأكياس من يده :
- لا لا شكرًا اوى ميصحش
سحب نفسًا عميقًا فى محاولة لتهدئة نفسه :
- فى الدور الكام انجزى ؟!
وضعت كف يدها امامه قائلة :
- الخامس
****
بعد مرور وقت تكتم ضحكاتها بصعوبة وهو يطالع
بعض النقود فى يده باستنكار :
- انتى بتضحكى، انا اخدت تيبس
حاولت التماسك قائلة :
- حلال عليك
مد يده لها بالنقود قائلًا :
- اتفضلى فلوسك
- هزت رأسها بالنفى :
- لا والله ابدًا ده حقك لو مش عايز الفلوس
شوف حد يتيم محتاجهم اما انا لأ مش هاخدهم
رمقها بطرف عيناه وهو يتابع الطريق امامه متسائلًا :
- هو انتى مش يتيمة
اجابته مندفعة دون تفكير قائلة :
- معرفش
فجاءة سمعت احتكاك السيارة بالأرض وارتطام جسده للأمام فخرجت آنة نتيجة الصدمة نظرت له بتوجس :
- أيه فى أيه ؟!
فرك وجهه بيده قائلًا :
- بصى بقى انا سيبتك على راحتك على الأخر بس
انا ممكن اجيب كل حاجة عنك وسايبك بمزاجى
لحد هنا واستوب فى واحدة متعرفش إذا كان اهلها
عايشين ولا لأ
شعرت بغصة مريرة بحلقها وتجمعت الدموع فى مقلتيها
اطرقت رأسها للحظات تحاول تمالك نفسها
فكم تمنت أن تولد للحياة يتيمة اهون من ان تترك
طفلة وحيدة فى الحياة، تعلم أنها بمجرد البوح بما يعترى صدرها سيفتح عليها ابوابًا من الجراح لن
تتحملها، سبقتها دموعها للتعبير عن حالتها
تنهمر فوق وجنتها باءت كل محاولتها للتسلح بالبرود
والصمت بالفشل حتى رفعت عيناها تسرد له ما عاشته :
- معرفش ومش عايزة اعرف لانها مش هتفرق عايشين
زى مش عايشين اللى المفروض هى امى اتجوزت وهى
١٦ سنه تحت السن القانونى بورقة عرفى بس بعلم
اهلها يعنى عملوا الإشهار اهم حاجة بس اهل الرجل
اللى خلفنى ماكنوش يعرفوا كانت جوازة للترفيه
لمزاجه لأنه هو كان متجوز وطبعًا اهل امى ما صدقوا عريس شارى بقى، عدت اول سنة تمام لحد ما عرفت
انها حامل نكر ومش بس كده شكك فى اخلاقها وان
اللى فى بطنها مش منه، الوضع كده فضل لحد ما انا
اتولدت وبعد كده منفعش اتسجل عشان هو رفض
واترفعت قضية نسب اربع سنين فى المحاكم اصلها
مش قضية حد مشهور لحد ما المحكمة حكمت بنسبى
ليه وللأسف كانوا اهلوا عرفوا وقالوا لأمى افرحى بالنسب
واحنا متبريّن منها حتى هو كمان.. ومشيوا وغيروا
كل اماكن سكنهم ...الصراحة واللى هى امى مستنتش
كتير جالها عريس وهى كانت ٢٠ سنة والكل قال حرام تضيع عمرها عليا إذا كان ابوها رماها .. اتجوزت وطبعًا كان اول شرط انا لأ ..وهو كان راجل كويس معقولة هتخسره عشانى.... كملت حياتها وانا فضلت فى بيت ابوها اترعب كل ليلة لوحدى طفلة اربع سنين مش لاقية حد ولا حد يقول كلت شربت كنت ادور على أى لقمة اكلها ولما اتعب انام فى أى حتة لحد لما كملت ٧ سنين، ساعات امى كانت تيجى تشوفنى ومعاها بنتها كنت بقول اشمعنا وكانت تقولى غصب عنى..
على صوت شهقاتها وهى تحاول ان تكتمها بيديها
تمزق نياط قلبه على حالتها ثم اكملت هى :
-ابتدا اللى المفروض هو اخو امى يعنى اللى هو الخال والد يتحرش بيا ماكنش ليا نصيب فى الأبوة من الدنيا
لحد ما جدى مرة خد باله وقرر لازم يخلص منى
احسن تحصل مصيبة وابنه يروح فى داهية
فاخد بعضه ونزل بيا القاهرة عند خالة امى
ماما هدى اللى ربتنى وقالها عايز اوديها ملجأ
لانها كانت ربنا مرزقهاش الخلفة وكانت بتروح
ملجأ كتير تعوض نفسها، لقت فيا العوض وانا كمان
حسيت اول مرة من ٨ سنين بالأمان هى اللى كبرتنى
وعلمتنى حتى الطبخ الله يرحمها، لحد ما البيت اتهد منه لله المقاول انا ساعتها كنت بوصل اوردر، قولت هروح فين اللى هى المفروض امى متعرفش لحد دلوقتى لأنها مش بتدور عليا اصلًا بقى ليها حياتها مع جوزها وعيالها، ارجع عند جدى اتوفى،
ولا ارجع لخالى عشان يكمل عليا اصلًا
اول ما حد يعرف انى قضية نسب
واهلى مش عايزنى يفتكرونى رخيصة ويبقوا عايزين
ينهشوا فيا عشان كده الشقة كانت الحل انا مش حرامية
والله انا عمرى ما مديت ايدى على حاجة بس خوفت
من الناس وانا ماكنش معايا حاجة تثبت شخصيتى كله ضاع فى الشقة
قضايا النسب اللى بينتج منها ناس مش سوية زى
فكرة ان الأب رفض الاعتراف بيهم دية محتاج عمر
اد عمرنا نتعالج علاج نفسى وهنفضل مكسورين من
جوانا بردو
نزلت كلماتها عليه كسهام تخترق قلبه فأى اب تجرد
من الأنسانية ينكر ابوة طفلته ليتركها تواجه قسوة
الحياة بمفردها، فدائمًا الأطفال يتحملون اشد وطأة للعلاقة الأسرية الفاشلة، رفع نظره يطالع دموعها تتساقط بغزارة ترتجف بشدة، ندم بداخله لنبشه فى جرحها الغائر، بداخله فيض من المشاعر الغير مفهومة
لايعرف كيف ضمها إلى صدره فتلك الصغيرة احتملت
ما لا يحتمل احد فربت على ظهرها
لتهدئتها، اما هى تشبثت به وتكتم شهقاتها بصدره
ساكنة قليلًا بين احضانه، طرق على الزجاج
افزعها كان شرطيًا قائلًا :
- انزلولى كده يا حلو انت وهى شاربين ايه
عشان فى عز النهار عمل فاضح فى الطريق العام
↚
أن تحاول أن تُدخل السعادة إلى قلب فلا تحتاج للمستحيلات بل بأبسط الاشياء الصغيرة، الكلمات القليلة
قادرة على أن تهز اعتى القلوب
****
تجمدت ملامحها فور رؤيتها الضابط لتصيبها مشاعر
الرعب والفزع ومازال جسدها ينتفض ودموعها تنساب
على وجنتيها فاقترب منها الضابط يسحبها من ذراعها
فانتفضت برعب جلى، اما هو وقف امام الضابط قائلًا :
- انت ماسكها كده ليه ؟!
حدجه الضابط بنظرات غاضبة ثم اجابه مستهزأ :
- وانت بقى ضارب ايه وقلبك ميت كده
سحبها كنان من يدها خلف ظهره قائلًا :
- ما تلمسهاش دية مراتى احنا هنيجى معاك من غير ما تقرب
رمقه الضابط بنظرات متشدقة ثم اردف بانفعال وهو يلكزه بكتفه نحو الصندوق الخلفى لسيارة الشرطة قائلًا :
- اركب اركب كلهم بيقولوا كده
انفلتت شهقة منها فالتفت لها يضغط على كفها وسحبها
خلفه ليساعدها على الصعود جلست بجواره ومازالت
ترتجف ربت بكفه على كفها فسحبت يديها سريعًا
منه تنكمش على نفسها، تنهد بضيق ثم سأل المجند
الذى يجلس امامه على وجهتهم لأى قسم، فاخرج هاتفه
يرسل رسالة لضياء وهو يطالعها وقفت السيارة
ترجلت منها ورفضت قدمها الحركة وظلت
تحدق فى المبنى وهى تهز رأسها ثم رفعت نظرها
إليه فحثها بنظراته على السير دخلت وهى تتجول
بانظارها فى المكان، وكل ذكريات المحاكم تقفز
امامها، نعم كانت صغيرة لكن هناك بعض المواقف
محفورة فى ذاكرتها، وروحها ...لرجل يصرخ بها وبوالدتها انها ليست ابنته، كان يطالعها وهو يعى ما يدور فى خلجات نفسها من صراع، هو لا يعلم كيف ضمها لكن ما يعلمه أن كل خلية داخله نخت امام ضعفها
وما عاشته، ماآلمه اكثر أن والده مساهمًا فى
حزنها حتى لو دون قصد، ثوانٍ وكان يقف أمام
الضابط فى مركز الشرطة الذى هتف بتهكم وهو يطالع
دموعها قائلًا :
- بتعيطى دلوقتى لكن تتحضنى فى الشارع عادى
اجفلت نظرها ارضًا لا تقوى على النظر إليه لم تجد الكلمات التى من الممكن أن تبرر بها، اما هو استفزه
الموقف كله فتحدث قائلًا :
- انا دكتور كنان وهى مراتى لسه متجوزين جديد
عشان كده مش معايا ما يثبت لكن صديق ليا
هيجيب القسيمة حالًا
ثانيًا ماكنش فى عمل فاضح ولا حاجة وده حتى يقولوه
الظابط كل الحكاية هى عندها مشكلة عائلية وكانت
منهارة زى دلوقتى وانا كنت بحاول اهديها
اثناء الحديث طرق الباب ودخل العسكرى وادى التحية
قائلًا :
- فى محامى بره تبع كنان يا افندم ومعاه واحد
صاحبه
أوما الضابط بالايجاب مردفًا :
- دخلهم خلينا نشوف اخرتها
تقدم المحامى بعملية وهو يقدم وثيقة زواجهم طالعها
الضابط باقتناع فطلب باخلاء سبيله بضامن حيث
لا يوجد معه ما يثبت شخصيتك وبدأت الاجراءات فطلب من ضياء التوجه باثبات شخصيته لضمانه فهز رأسه بالنفى :
- انا مش معايا البطاقة بس معايا الباسبور
جز كنان باسنانه على شفتيه السفلى وهو يهمس :
- يابن *** جاى تضمنى من غير البطاقة
رمقه ضياء بطرف عيناه وهو يتحاشا النظر إليه وهو
يعلم ان صديقه سيفتك به حاول المحامى انهاء
الاجراءات سريعًا والحصول على إذن اطلاق سراحهم
ثم انصرف المحامى وتركهم ثلاثتهم
*****
وقفوا ثلاثتهم بالقرب من سيارة ضياء، فكان كنان
يتأفف ويمسح على وجهه بزفير حار قائلًا :
- اقولك فى القسم جاى بالباسور انت فاكر نفسك
رايح بورتو السخنة
اجابه بتذمر مصطنع وهو يغمز له :
- وانا اعرف منين انك ممسوك اداب قولت هات محامى
والقسيمة واتصرف ايش عرفنى بقى،
بعدين يا جدع مش عارف تستنى لما تروح البيت
رفعت عيناها وطالعتهم بدموع سابحة من مغزى كلامه
اشار لها كنان بركوب السيارة وتابعها بنظره حتى وصلت كانت ساكنة كالأموات ثم التفت له كالبركان الثائر :
- تصدق بالله انا لو قتلتك قدام القسم هاخد مكافأة
انى خلصت البشرية منك
ابتسم وهو يتحدث بخبث :
- هما اللى نيتهم وحشة ايه وضع مخل اللى كتبوها فى
المحضر دية النية فى ذمة لله
زمجر كنان ثم قال بحدة :
- ضياء ولا كلمة تانى وقدامى على العربية
*****
امتثلت لأوامره واستقلت السيارة من الخلف بعد مرور عدة دقائق كان ضياء يجلس خلف عجلة القيادة وبجواره كنان اما هى تثبت نظرها على الطريق
وبداخلها يرتجف بشدة تشعر بدقات قلبها تكاد تصم
اذنيها من فرط الخوف، التوتر قاطع صمتهم ضياء
قائلًا وهو ينظر فى المرآة :
- اسف بقى يا كيان لو انا عازول بينكم
صرخ به كنان بحدة جعل الدماء تفر منه قائلًا :
- ضياء على جنب وقف العربية
قطب ضياء حاجبيه باستغراب قائلًا :
- فى أيه خضتنى كنا هنعمل حادثة يا جدع
اجابه بحزم :
- انزلى من العربية مش هتكمل معانا
رفع حاجبيه بصدمة قائلًا :
- على فكرة دية عربيتى
- انزل ياضياء وانجز
ترجل ضياء من سيارته وهو يتمتم بحنق ونزل
ايضًا وقف معه امام السيارة فتحدث كنان :
- انتى مافيش دم عازول ايه وزفت ايه
- اومال ايه طاااه ده فى عز النهار
صر كنان اسنانه :
- هات المفاتيح وهبعتلك العنوان تجيب العربية بتاعتى
التو ثغره بتهكم قائلًا :
- نعم انت عايز تسيبنى هنا انت بتتلكك عشان تستفرد
بيها لا انت حالتك صعبة
تجاهل حديثه حتى لا يفتك به وركب السيارة
واندفع بها يسابق الرياح بينما وقف ضياء وفغر فاه وعيناه
من الصدمة ثم صاح به :
- كنان يالمتحرش .. يالمقفوش ..
انت هتسيبنى على الطريق يالمقفوش
*****
اخيرًا ترجل كنان من سيارته وهى ايضًا وسبقته بخطواتها إلى الداخل وقفت امام المصعد تضغط بإيديها
المرتعشة على لوحة الارقام، فرفع عيناه هو للشاشة
المضاءة اعلى وجده يهبط ثوانٍ وولجت وهو خلفها
ومازالت الدموع تغرق عيناها، تنهد بثقل انفتح
باب المصعد فاندفعت صوب الباب تحاول الفتح
بمفاتيحها لكنها سقطت منها أرضًا، فانحنى يلتقطهم
من على الأرض وفتح هو، تعثرت بخطواتها نحو
غرفتها فتنهد بضيق وهو يغلق الباب ثم نزع عنه
سترته يُلقيها على الأريكة
*****
ولج طاهر إلى غرفته فوجد شقيقه الأكبر يجلس فوق الفراش ويفتح الحاسوب
الخاص به فجلس على حافة الفراش وبدأ فى خلع
حذائة متمتمًا بضجر :
- حمدلله على السلامة ياسيدى، ممكن افهم حضرتك قاعد فى اوضتى ليه ؟!
وفاتح اللاب بتاعى ليه ؟!
كرم بكل برود دون ان يلتفت إليه اجابه :
- اول ما رجعت من السفر امك لقتها داخلة عليا
وملامحها تخض ولما سألتها
مالك ؟! قالتلى انها شاكة فيك تكون بتعمل حاجة
كده ولا كده وعايزانى اطمن عليك قبل ما تبلغ ابوك
اصلى البت هاجر رعبتها
اخذ نفسًا عميقًا يحاول تهدئة نفسه قائلًا :
- هاجر هاجر هاجر سيب يا كرم اللاب واطلع بره
وخلى امك تبلغ ابوك وانا هتصرف والله هجيب
اجل الزفتة دية
رفع كرم احدى حاجبيه قائلًا :
- خد بالك صوتك العالى ده هيضعف موقفك
بعدين انا مش عايز اصدمك ماما قررت انى هنام
جنبك هنا على السرير فخليك لطيف
انفعل وسحب منه الحاسوب بعنف وهو يتمتم بغضب
بينما ابتسم كرم ببرود قائلًا :
- شكل كلام هاجر صح ؟!
لا انا قاعدلك هنا نربيك من الأول بقى ونشوف وراك ايه ؟!
- كررررم متهزرش اطلع بره انا مش بحب حد معايا
تمدد كرم على الفراش ثم انقلب على جانبه وهو يسحب
الغطاء مردفًا :
- ولا أنا يابنى بس لازم نطمن قلب ماما دية ناقص
كانت تقول انك بتجيب نسوان فى الشقة
فرك وجهه بأرهاق ويلعن هاجر فى سره فهى منذ
أن سكنت معاهم فى البيت هى والدها بعد وفاة
والدتها وهى اوشكت أن تفقده عقله
*****
هناك احداث بحياتنا تقلبها رأسًا على عقب لم نكن
نتخيلها يومًا، يمر الوقت وترى امامك الحقيقة كاملة
فلا يستطيع غصن ضعيف الصمود امام الرياح العاتية
لينهزم امام كل محاولات الصمود خائر القوى
يزرع الغرفة ذهابًا وايابًا بتوتر وغضب بالغ،
ماذا يحدث له لا يفهم هو قلق بشأنها، لكن
كلما لاحت امام عقله كلامها طفلة بريئة تتعرض
للعنف والقسوة والتحرش ايضًا، اصبح كالبركان
فأى انسان تجرد من انسانيته يرفض ابوة طفلة
هو يعلم جيدًا انها ابنته، ليتركها تعانى نتيجة رغبة رغبته
ونزوته، صدره يعلو ويهبط بعنف كأنه للتو خرج من سباق ماراثون، حاول أن يغمض عيناه لبرهة ويتوجه
نحو غرفتها ليطمئن عليها قطع الردهة ووقف أمام
باب غرفتها :
- امممم كيان ممكن تفتحى
لم يجد اى استجابة منها فاعاد الطرق ثانيةٍ :
- لو سمحتى افتحى
مرت دقائق قليلة وسمع صوت مقبض يفتح فتراجع
خطوة للخلف وهو يثبت نظره على الباب فطالعها
واعينها منتفخة اثر البكاء فتحدثوا معا فى وقت
واحد :
- أنا اسف
- أنا اسفة
تريث لبرهة ثم عقب على جملتها بنفى :
- انتى معملتيش حاجه عشان تعتذرى اصلًا
التوت شفتيها بابتسامة منكسرة ثم همست :
- كنت عايز حاجة بتخبط ليه ؟!
عايزة انام
نظر لها فى شفقة وحزن ثم حاول تغيير مجرى الحديث :
- عايزه تنامى ؟!
انتِ مش جعانة ؟! انا مكالتش حاجة من الصبح
رفعت عيناها إليه ثم قالت بمزيد من الإنكسار :
- ماليش نفس
تنهد بثقل وهو يشعر بالإخفاق والفشل التام برغم
من محاولته البائسة لكنه لم ييأس فقال وهو يضع
يده على معدته :
- أنا قولت نتعشا مع بعض
اطرقت رأسها وهى تجيبه :
- ماليش فى الخضار أوووى
قاطعها بابتسامة وهو يمازحها :
- مش شرط خضار اى حاجة المهم نأكل
رفعت رأسها فى دهشة وتبدلت ملامح الحزن وهى ترمقه غير مصدقة :
- بجد!!
ابتسم نصف ابتسامة وهو يرمق تغير حالتها قائلًا بمكر :
- لو مش هتعرفى او مش هتقدرى اطلب من بره
اتسعت ابتسامتها وهى تتجاوزه نحو المطبخ قائلة :
- هوووا الأكل يكون جاهز هتبطل فيچترين دية
خالص، بص هتدوق وتحكم بنفسك
سار خلفها للمطبخ وجلس فى المقعد امامها وهو يرمقها
تعمل بابتسامة واسعة كان يعلم أن هذا هو الحل الوحيد
للخروج من حالتها فهذا ما استنتجه خلال الاسابيع
الماضية، بدأت روائح الطعام تداعب انفه فأغمض
عيناه بضيق لكن سرعان ما فرق جفنيه حتى لا
تلاحظ
بعد مرور ساعة وهى تعمل كانت تبتسم له ابتسامات
خافتة وكل تركيزها على الطعام وضعت امامه عدة
صحون وهى ترمقه بابتسامة قائلة :
- اتفضل يارب يعجبك وتغير رأيك
رمق الطعام ثم رمقها هى متسائلًا :
- هو أنا هأكل لوحدى
-انا ماليش نفس
قالت جملتها وتحولت حالتها ثانية، ابعد هو الطعام بيده
قائلًا :
- لو مش هتاكلى معايا بلاها
ارتسمت بسمة بسيطة على ثغرها قائلة :
- لا هاكل خلاص
احس بداخله بشعور جديد، غريب، قوى يغزو كل خلية
في جسده لمجرد انه نجح فى ابتسامتها وما ان شرع
فى الأكل احتلت الصدمة ملامحها ثم اكمل يتذوق
بقية الطعام وهو يتلذذ مصدرًا اصوات عالية واكمل
الطعام بنهم
أما هى كانت تطالع تعبيرات وجه والاصوات التى
يصدرها لا تنكر أن طريقته جعلتها تفرح من قلبها
انتهى من الطعام وهو يستند بمرفقيه على رخامة
المطبخ يتنفس بصعوبة ثم رفع رأسه مردفًا :
- ده انتى عالمية .. ايه ده انا عمرى ماتخيلت
اكل الكميات دية لا وفى نص الليل كدة
شابوووو ليكى
لاتعلم لما احمرت وجنتيها خجلًا من مدحه لطعامها وكأنه
يمدحها هى فنهضت تلملم الصحون ففاجأها قائلًا :
- خربوش قهوة بقى من ايديكى
توسعت عيناها بذهول وهى تتردد بابتسامة :
- انت بتقول خربوش
- الحقينى بيه بليز
هزت رأسها بسعادة وهى تتجه للموقد لصنع القهوة
****
فى صباح اليوم التالى
تأوه طاهر عاليًا فرق جفنيه بصعوبة محاولًا أن يرى
مايحدث وقبل أن يرفع رأسه كانت لكمة أخرى فى
طريقها إليه فانتفض من الوجع وهو يضرب كرم
النائم بجواره كأنه فى حلبة مصارعة، لكزه طاهر فى
كتفة :
- انت يا بنى ءادم انت نايم ولا بتصارع تيران
قوم من هنا
ركلة كرم بقدمه ادى إلى سقوطه ارضًا بينما كان مدعيًا النعاس فصاح طاهر وهو ينهض وينقض عليه قائلًا :
- وربنا انت صاحى وشغال شغل غلاسة قوم اطلع
بره اوضتى
اعتدل كرم من نومته قائلًا وهو يتلاعب بحاجبيه :
- بعينك عايزينى اروح اوضتى وتجيب نسوان وخمر
هنا وتعمل ليالى حمرا ابدااا البيت ده طاهر
ثم نهض يرقص على الفراش وهو يغنى ويشاركه فى
الرقص والغناء طاهر :
- يا ام المطاهر رش الملح خمس سبع مرات
توقف فجأة طاهر وهو يصيح بغضب :
- بااااااس .. عايزين تجننونى قال خمر ونسوان أيه بدخلهم
فى جيب البنطلون
رفع كرم كتفيه بعدم اكتراث وهو يعود مرة اخرى للنوم
قائلًا :
- انا عارف ابقى اسأل امك او اسأل هاجر هى ادرى
جز على اسنانه وهو يقول بغيظ :
- ده انا هرش الملح فى عين هاجر يكش تتعمى
****
وصل طاهر إلى الشركة وبداخله سعادة عارمة سيقابل
تلك المشاكسة، توجه نحو مكتب بيلا مباشرة طرق
الباب ودخل يجلس امامها فى المقعد، تركت الحاسوب
من يديها وابتسمت له :
- صباح الخير
اجابته بابتسامة صادقة :
- صباح النشاط
حك مؤخرة رأسه متسائلًا :
- هو كيان مضت العقد خلاص
تنغصت ملامحها بألم ثم هزت رأسها بنفى :
- لا لسه، اتصلت امبارح بليل عشان تعتذر عن النهاردة
تمتم فى سره بخفوت قائلًا :
- طبعًا كفاية سيرة هاجر على الصبح تقفل اليوم
قررت حزم الامر ففتحت الدرج والتقطت منه العقود
ومدت يدها :
- دية العقود يا طاهر خليها معاك وبكره ابعتها
توقعهم عندك
ابتسم بتوسع وهو يأخذهم منها طالع العقود وهو يقرأ
البنود حتى توسعت عيناه بذهول والصدمة حينما وقعت عيناه على اسمها وهو يردده:
- كيان عاصم عز الكومى الجهينى
****
↚
اشتهى حقًا أن اغيب تحت الأرض، أو ربما لضمة
لأنعم ببعض الأمان
***
فاقت من النوم وهى تشعر بوخزات بكل جسدها اثر
بكاء أمس فشعرت بدموعها تنساب مرة أخرى دون
إرادة، لا تدرى كيف قصت له تاريخ حياتها بكل سهولة
وكيف تشبثت بأحضانه بهذه الطريقة، حقًا لا تدرى
فهى كانت دائمًا تعلم أن دموعها حكرًا عليها لا يحق
لأحد رؤيتها لا تريد شفقة من احد فيكفى ما تعيشه من
المعاناة لا تتحمل نظرة شفقة من احد فحزنها يكمن بخبايا قلبها الصغير، لكن لا تنكر أن ضمته بقوة
وتهدئتها كطفلة صغيرة كانت كطبطبة على روحها
نزعت عنها الغطاء وارتدت خُفها المنزلى تطالع الساعة بجوار الفراش فانزعجت ملامحها فالساعة صارت الواحدة بعد الظهر خرجت بمنامتها بدون أن ترتدى حجابها فهو بالطبع ذهب باكرًا توجهت نحو المرحاض
وغسلت وجهها ثم توجهت صوب المطبخ لتقوم
بصنع القهوة وهى تضع يديها على رأسها وتتأوه
بخفوت قائلة :
- آآآه دماغى هتنفجر
- من عياط امبارح فنجان قهوة ومسكن هتبقى تمام
وقف خلفها وهو يدس يده فى جيب بنطاله، اما هى
انتفضت على صوته ثم استدارت ترمقه بصدمة :
- انت لسه هنا ؟!
أول مرة يراها بدون حجابها شعرها الاسود الفحمى
يصل منتصف ظهرها بشرتها الحليبية وشفتياها الخوخى
التمعت عيناه بوميض وهو يراها بتلك الهيئة المغرية
نظراته جعلتها تنصهر فأطرقت رأسها أرضًا فتدلت
خصلات شعرها فوضعت يديها على رأسها ثم
هرولت للداخل قائلة :
- انت بتتفرج على ايه ؟!
ودى وشك الناحية التانية
توارت داخل غرفتها بينما ابتسم وهو يحك مؤخرة
رأسه ودقات قلبه تعلو :
- ده ايه الجمال ده
*****
- فى أيه يا طاهر مالك ؟!
تلك الجملة قالتها بيلا بتوجس لطاهر وهو يقرأ بنود العقد بينما هو وضع العقود امامها واشار بسبابته
نحو خانة الأسم قائلًا :
- انتى مش ملاحظه حاجة فى الإسم
كيان عاصم عز الكومى الجهينى
توسعت عيناها بصدمة قائلة :
- ايه ده ازاى ؟!
معقولة !!!
ازاى ماخدتش بالي من الأسم
مسح وجهه باضطراب ثم تمتم بتوتر جلى قائلًا :
- بيلا مش عايز حد يعرف حاجة وخصوصًا كيان لحد ما
اعرف ايه الموضوع
*****
خرجت من غرفتها ثانية وجدته يجلس على المقعد
المقابل للمطبخ فتحاشت النظر إليه قائلة :
- مروحتش شغلك
نظر لها بنظرات هادئة قائلًا :
- بعد أكل امبارح معرفتش اصحى الصبح
ابتسمت ابتسامة رائعة وهى تعد الفطار :
- وهو انا كده عملت حاجة انا ماكنتش مستعدة
امبارح تحب اجهزلك فطار معايا
هز رأسه بالايجاب ثم سمع طرقا على الباب فتوجه لفتحه فطالع وجه ضياء، فتركه وتوجه للداخل
اغلق ضياء الباب خلفه وسار للداخل
فوقعت عيناه على من تقوم بصُنع الطعام فتوجه
إليها تلقائيًا هو يقول :
- احنا هنفطر النهارده ولا ايه
مازالت تشعر بالارتباك بعد ما صار امس فهزت راسها
تجيبه بإيجاز :
- روحوا انتوا على السفرة وانا هحضر الأكل
اشار لنفسه ثم تحدث مستنكرًا قائلًا :
- روحوا على السفرة، انتى قصدك انا ومين
ولا انا بصيغة الجمع
جذبه كنان معه وهو يتمتم ببعض الكلمات ثم سحب
له مقعدًا هامسًا :
- اتفضل اقعد
اراد استفزازه فضحك ضياء وهو يغمز له :
- بنافسك بردوا يا كنان، بعدين الاخ النباتى هيفطر ازاى
معانا هااا ولا أيه بقى، بس تستاهل
اجابه فى نظرة مخيفة بعض الشئ :
- وبعدين بقى
قبل ان يكمل جملته بدأت كيان فى رص الصحون على
الطاولة بينما كان كنان يختلس النظر إليها وضياء
يطلق صفيرًا عاليًا لأعجابه بالطعام وما أن انتهت
فهمت بالمغادرة فأوقفها ضياء :
- مش هتفطرى معانا
همت بالرفض فوقف ضياء يسحب لها المقعد وهو
ينحنى بحركة مسرحية قائلًا :
- الشيف العالمى تسمحى تتكرمى وتفطرى معانا
فابتسمت باستيحاء على حركاته ثم جلست بتوتر
وهى ترمقهم بخجل وبدأت فى الأكل مع مشاكسة
ضياء حتى قاطعه كنان وهو يضحك :
- الأخ مصاحبش غيرى انا وواحد تانى
وده لأن محدش كان بيطيقوا فى المدرسة
عشان سوء سلوكه
برقت عين ضياء وهو يسعل بالطعام :
- ايه يا راجل سوء سلوكه دية
تفهم هى ايه دلوقتى
ثم اكمل وهو ينظر لها : يا ستى والله هو سوء تفاهم
بعدين كنت طفل
- طب قول كده ايه سوء الفهم
تمتمت كيان فى هدوء متسائلة :
- لأ انا لازم اعرف
اجابها كنان ساخرًا :
- البيه معتقش ميِس محبهاش لا ومش بس كده ده يروح
البيت ويصر على الجواز منها، وبعد مايزعقوا فى البيت
يروح يطلب من المِيس انهم يهربوا سوا ويتجوزوا
لم تتمالك نفسها وقهقت عاليًا ثم هتفت من بين ضحكاتها :
- ده انت كنت خطر على المدرسات بقى
بس متخيلة وانت طفل قمر بعنين خضرا وشعر اصفر
اكيد الميسات كانوا بيضعفوا
اتسع بؤبؤ عين كنان، تعاكس رجلًا اخر امامه، وحتى
وأن كان زواجهم صوريًا فلا يحق لها كاد أن ينفجر
بها ولكنه ظل يراقبها بنظرات نارية
فانتبهت إلى نظراته فشعرت بالتوتر وسريعًا اشاحت
بوجهها بعيدًا عنه، بينما هو تمتم بنبرة آمرة موجهًا
حديثة لضياء :
- مش خلاص يا ضياء فطرت يلا انزل وانا
هحصلك اتفضل
رمقه ضياء بغيظ ثم نهض واقفًا يوليه ظهره صوب
الباب، اما هو حدجها بنظرات حادة لا تعلم سببها
لكنها اصابتها بحزن فشعرت بوخزات الدموع
في مقلتيها فتحركت بهدوء إلى غرفتها كان ينظر
لها ساخطًا وهى تتحرك :
- قمر.. اباجورة انا فى وسطكم
******
فى نفس اليوم عصراً
ولج ضياء للمكتبة فطالع فتاة تشترى كتابًا فوقف
يطالعها بتمعن ثم همس :
- لأ الفنش مش حلو
.
قطبت الفتاة حاجبيها باستغراب وبينما بيلا لاتقل
دهشة عنها ثم اردفت الفتاة :
- نعم!!!!
اخرج كارت من جيب بنطاله وهو يبتسم :
- ضياء دكتور تجميل ومعاكى فى الكارت مكان
المركز هيفتتح قريب
أومات بالإيجاب وهى تلتقط الكارت منه ثم تحدثت
والتوا فكها نحو اليسار قليلاً نتيجة عملية التجميل :
- اتشرفت، ميرسى أوى
ثم توجهت للخارج ومازالت بيلا تنظر له بدهشة
فقهقة عاليًا :
- شوفتى الفينش بايظ ازاى
توسعت عيناها وهى تقول :
- اللى عملتوا ده بجد
غمز لها بطرف عيناه ثم اردف :
- لأ انا فى الدعايه معنديش ياماا ارحمينى
بس فعلًا الفينش بايظ شفتى بؤها مخاصم وشها ازاى
ضحكت ثم هزت رأسها بيأس واردفت بجدية :
- ده اسمه تنمر على فكرة
امسك الكتاب الذى امامه يقلب صفحاته ثم نظر لها
وتحدث بجدية :
- اولًا الواحد مش بيتنمر على حاجة خلقة ربنا
دية هى اللى مجتهدة فى النفخ بدرجة بشعة
ثانيًا بقى انا اسمى نمورة من كتر التنمر
شعرت بضيق من طريقته لذلك فضلت اخفاء امر اعاقتها
ثم حولت مجرى الحديث قائلة :
- طب خلينا فى النوع اللى ممكن تحب تقرأه ايه ؟!
ميولك يعنى ايه ؟!
اجابها سريعًا وبتلقائية :
- انحراااف
حملقت به بنظرات مندهشة حتى هتفت بغيظ :
- نعم !!!!
ادرك زلة لسانه ثم اجابها بكل ثبات وقوة :
- انحراف النفس والسلوك كتب بتتكلم عن علم النفس
أيه مفيش هنا
عضت على شفتيها ثم اشارت للرف خلفه قائلة :
- فى الرف ده هتلاقى طلبك
تنفس بعمق وهو يراقب شفتيها :
- هما طعمهم ايه بقى ؟!
اجابته ببلاهة :
- هما ايه ؟!
حك مؤخرة رأسه قائلًا :
- الكتب .. يعنى القراءة بيقولوا ليها مذاق خاص
- هو انت هتختار الكتاب بناءًا على أيه لأ بلاش تقرأ احسن
اجابته بنفاذ صبر بينما هو وجدها فرصة
-أنا بقول كده عايز وقت عشان حوار القراءة ده
شكله هيتعبنى ما تيجى نتغدا بره
******
- هو بابا هنا
تلك الجملة اردفها طاهر فور دخوله المنزل وهو يشيح وجه بعيدًا عن والدته
التو ثغر كرم ثم اجابه ببرود :
- ايه مفيش السلام عليكم تؤ تؤ اخلاقك اتغيرت
ثم مال على والدته وهو يتلاعب بحاجبيه لطاهر :
- لأ عندك حق طريقته مش عجبانى اليومين دول
ضربت والدته صدرها برعب وهى تُتمتم بحزن :
- كده يا طاهر توجع قلب امك
شد على شعره من منبته ثم جذب اخيه يهمس فى اذنيه :
- هاسيبلك اوضتى طول فترة الأجازة بتاعتك تمام كده
وريحنى من الحوار ده
ضيق كرم عيناه بلؤم قائلًا :
- يابنى انا اخوك الكبير وكل اللى يهمنى انت مش
الاوضة
ثم استدار لوالدته يجلس بجوارها وهو يربت على كتفها
بحنو قائلًا :
- يا ست الكل طاهر انتى عارفاه معقوله تشكى
فيه، بعدين طاهر مش بتاع الكلام ده شاب رياضى
وماشاء الله صحته زى الفل
تنهدت براحة وهى تطالع كرم :
- بجد يعنى اطمن يا كرم يا حبيبى
هز رأسه بالايجاب وهو يطالع اخيه بنصف عين
طرق طاهر كفًا بالأخر ثم تحدث بنفاذ صبر قائلًا :
- فين بابا بقى ؟!
اجابته والدته مبتسمة :
- جوه يا حبيبى ادخلوا
هز رأسه بيأس من تقلبات والدته وتوجه لغرفة والده
فى صمت
******
توزع نظراتها بالمكان بتوتر حتى جاء النادل يضع
صحون الطعام امامها فطالعته بملامح متجهمة
ثم انتظرت انصراف النادل وطالعت ضياء باستغراب :
- هو انت متأكد انك كنت عايش فى دبى على طول
رفع حاجبيه بدهشة وهو يُردف :
- متأكد بس بنزل مصر عادى .. ولازم اجى اضرب
طواجن من هنا وفتة وكوارع
أومات ثم قالت وهى تطالع الطعام :
- بس أنا مقدرش أكل الأكل ده ماليش فيه
رمقها فى تريث ثم تنهد قائلًا :
- انا حابب نتعرف على بعض اكتر يعنى كأصحاب
انا احاول اقرأ وانتى تحاولى تاكلى معايا ايه رأيك
ابتسمت بنعومة حتى ظهرت غمازاتها قائلة :
- طب انا شايفه ان بلاها تقرأ
وبلاها انا أكل كده .. يمكن تظهر حاجات مشتركة
بينا من غير ما نضغط على نفسنا
هز رأسه بتفهم ثم عقب على كلماتها بتنهيدة تعلن
عن خضوعه التام لرأيها :
- تمام كده حلو اوى اتفقنا
******
يجلس فى المكتب بنصف عقل، يحاول بكل طاقته
يلملم شتات عقله وأن يصرف تفكيره عنها لكن
طيفها يلزمه نظراتها المنكسرة، دموعها، شهقاتها
خجلها عند هذا الحد تنهد بثقل
تُرى كيف حالها ؟!
لا يعلم ماذا اصابه؟!
إلا ان مجرد تذكُرها يبعثر كيانه
اصعب ما نمر به هو مايشغل بالنا وفكرنا ولا نعرف السبب
نهض واقفًا وهو يتجه للخارج
*****
طرق على الباب ثم ولج للداخل وهو يبتسم بينما
رمقه والده بحنق وهو ممسك المسبحة بيده
اقترب منه طاهر يجلس بهدوء :
- مساء الخير يابابا
ساد الصمت بينهم ثم رمقه بضيق قائلًا :
- مزعل امك ليه ياطاهر ؟!
ليه مخليها قلقانة كده ؟!
زفر طاهر بضيق ثم حدثه بجدية :
- انا عايزك فى موضوع مهم .. ممكن معلش تسيب
الموضوع ده بعدين .. ده لو فى موضوع
- هو فى اهم منك يا طاهر وبعدين معاك
رمقه طاهر بتمعن ثم حدثه بجدية :
-فى يابابا فى حاجة كبيرة كمان
اعتدل والده فى جلسته وحدثه بنبرة حازمة :
- قول يا طاهر فى أيه وخلصنى
مد طاهر يده له بالعقود وهو يشير على خانة الاسم
توسعت عين والده بذهول وشرد امامه هو يطوى
الورقة ليفكر من أين سيبدأ فهو الآن وسط دوامات
الماضى، تناول نفسًا طويلًا ثم اطلق زفير وهو يتحدث
بأسى :
- عمك عاصم طول عُمره عايز كل حاجة
اتجوز مرات عمك بس عشان مصالح الشغل وهو اللى
كان مخطط كده عشان ابوها وجدك الله يرحمه كانوا
شركاء مع بعض حب يبقى ليه النصيب الاكبر فى التجارة
وهى زى ما انت عارف طريقتها صعبة مع الكل انا
كنت مشفق عليه وانا مش شايفه مبسوط فى حياته
بس هو اللى اختار لحد ما عمك ابتدا يتغير وبقى
سعيد قولت اكيد الدنيا اتصلحت
لحد ما فى يوم جه لينا واحنا متجمعين انا وعمتك
وجدك ولقيناه داخل ووشه مش بيتفسر سألناه مالك
قال انه كان متجوز عرفى ومراته حامل، أول رد
كان منى ويشهد ربنا انه يكتب عقد رسمى فورًا
عمتك الله يسامحها رفضت وقالت عايز تفضحنا
وكبرت دماغ جدك، وعمك عشان مصالحه مع مراته
سمع كلامها ...رغم أن مراته عرفت وكانت اول مرة
تتفق مع عمتك على رأى
حاولت كتير معاه بس زى ما هو الطمع ماليه لحد
بعد فترة جه والد البنت دية عند الشغل بتاعنا
وعمل مشكلة عشان عمك رفض يسجل البنت
ساعتها قولتلوا ازاى وحاولت اتدخل وجدك
منعنى قولتلوا اكتبها باسمك وهاتها هربيها انا
وعمتك للأسف طلعت ف دماغه وهو يعرف
منين انها بنته هي .. دية واحدة اهلها جوزوها
عرفى يعنى بيتجاروا ببنتهم ..
وللأسف عمك لقى حاجه يسكت بيها ضميره
حاولت اعرف
اى تفصيل لكن محدش دلنى للأسف لما تعبت
منهم ومن ظلمهم سافرت فترة بره حتى شغلى
معاهم سبتوا لحد ما جدك اتصل بيا وخلانى
ارجع
وقال انهم راضو البنت وسجلوها خلاص وامها
اتجوزت واصرت تاخدها هى وعمتك ساعتها
ورتنى شهادة ميلاد، انا كان نفسى اشوفها
بس قولت يكفى انه اعترف بيها وهى اكيد
من حق امها
المهم شوفت انت البنت دية اللى اسمها كيان
اغلق طاهر عيناه بحزن ثم اجابه :
- شوفتها .. شوفتها .. ومن أول مرة لاحظت الشبه
بس طبعًا مركزتش بس الأسم خلانى أتأكد
والده فى حزن حقيقى قائلًا :
- الدنيا صغيرة اوى .. اخلاقها اية ياطاهر ؟!
تحولت ملامح طاهر من حزن لسخرية قائلًا :
- اخلاقها ؟!!!
احنا كمان هنحاسبها بأى حق ؟!
احنا نعرف هى اتربت ازاى ولا مع مين ؟!
ورغم كده شكل والدتها ربتها كويس ومتخلتش
عنها زى عمى
تنهد والده وهو يرمقه بجدية وخوف قائلًا :
- اسمع انا مش عايز حد يعرف حاجة عن الموضوع
ده وتخليها تحت عينك
لو كان زمان جدك وعمتك مقبلوش بيها
دلوقتى موجودة الألعن منهم مرات عمك استحالة
هترضى بيها تدخل حياتنا كده بسهولة
احتقن وجهه بدماء وحسم امره بنبرة غاضبة وانفعال :
- دية بنت عمى ومحدش يقدر يأذيها
ومش هاسمح لحد يقرب منها
↚
الحب يدخل قلوب الرجال بدون استئذان يتسلل
داخلها ببراعة، بينما يطرق باب الانثى أولًا
****
ولج للداخل فوجدها تتنقل بهدوء ترتب الشقة،
فألقى سترته على الأريكة ثم جلس ينزع حذاءه
وهو يراقبها حتى اقتربت منه واضعة ذراعيها فى
خصرها قائلة بحدة :
- لا أسمع انا مش هفضل الم وراك كتير كده
انت هنا مش فى فندق اه .. انت مش صغير
كمان عشان كل حاجه تبهدلها كده
فى الوقت السابق كان حديثها معه هكذا يخرجه
من تعقله أم الآن فهو سعيد لعودة شخصيتها
اولتلك الأقنعة الزائفة التى تحاول أن تثبت من
خلالها أنها بخير، ابتسم يهز رأسه بالإيجاب :
- حاضر
ابتسامته جذابة الجاذبية الشرقية هزت رأسها تنفى هذه الافكار قائلة :
- انت بتاخدنى على اد عقلى
اتفضل قوم شيل كل حاجة ودخلها على الأوضة جوه
ابتسم وهو يلملم اغرضه قائلًا بمزاح :
- تمام كده تحبى اروح اجيب الشرشوبة وامسح كمان
انا فى المسح معنديش ياما ارحمينى
ضحكت بخفوت على طريقة مزاحه ثم اشارت له
على باب غرفته :
- لا شكرًا اتفضل
*****
بعد أن انتهت من الأعمال المنزلية قامت بصنع قهوتها
وتوجهت نحو الأريكة وجلست تشاهد احدى قنوات
الطهى بكامل تركيزها خرج من غرفته وجدها صامته
تشاهد التلفاز، توجه وجلس على مسافة لا بأس بها
منها، رمقته بتوتر وهمت بالأنصراف إلا أنه اوقفها
قائلًا :
- رايحة فين ؟!
رفرفت كيان عدة مرات باهدابها ونظرت امامها :
- هروح انام، تصبح على خير
طالعها بتمعن وهو يثبت مقلتيه على تفاصيل وجهها :
- هو انتى مالكيش اصحاب
سحابة حزينة طغت على لمعت عيناها وهى تقول :
- لأ معنديش
شعر بحزنها ثم سألها :
- أومال لو بتحبى تخرجى بتخرجى مع مين ؟!
أطرقت رأسها أرضًا :
- كنت بخرج مع ماما هدى الله يرحمها وبعد كده
مابقتش اخرج
رفع نظره صوب عينيها و يقول بابتسامة هادئة :
- يعنى الحال من بعضوا، طب ممكن تخرجى معايا
نغير جو
تهلل وجهها كطفلة صغيرة وهتفت دون وعى :
- بجد بجد
شعرت بخجل بسبب اندفاعها ثم اجابته وهى تنهض :
- لا مش هينفع ممكن تروح مع ضياء تصبح على
خير
نهض هو الاخر وهو يقف امامها قائلًا بنبرة حازمة :
- لأ انا وانتى قدامك نص ساعة وتجهزى تمام
هزت رأسها بالموافقة وهى تحاول الهرب
من نظرات عيناه التى تحاصرها
*****
يجلس معاها فى مطعم فاخر على النيل،
تطالع النيل امامها وسعادة جالية على ملامحها
يشعر براحة رهيبة تكمن بخلاياه عند رؤية ابتسامتها
فاصبح يكتفى بصمتها، التفت لها فوجدته يطالعها
بنظرات غريبة عليها فقالت :
- ميرسى على الخروجة
اومأ لها بابتسامة هادئة :
- ميرسى ليكى انتى أنا كنت محتاج اغير مود من ضغط الشغل
رفعت عيناها إليه متساءلة :
- انت بتشتغل هنا مش قولت جاى وماشى
استند بمرفقيه على الطاولة وهو يجيبها :
- احنا بنفتح مركز التجميل
فرع فى مصر وانا حاليًا
بشرف عليه المفروض ماكنتش اجى لأننا بنسلم
الشغل لشركة وهى بتخلصهُ وبنزل على الافتتاح
بس كان فى مصلحة عايز اخلصها بس دلوقتى
عرفت انه كله نصيب ومكتوب
اطرقت رأسها وهى تطرق باناملها على الطاولة قائلة :
- هو انت هتمشى امتي ؟!
شعر بضيق يعتمر صدره بمجرد ذكرها رحيله فهو
يشعر انه مسئول عن سعادتها سألها بنبرة يغلب
عليها الحدة :
- انتى عايزانى امشى ؟!
زهقتى ؟!
همت برد عليه لكن قطعها رنين الهاتف فطالعت
الشاشة ثم ضغطت على زر الاجابة :
- الو باشمهندس طاهر
- لا مفيش حاجة .. اكيد هكون موجودة الصبح
ابتسمت ابتسامة واسعة وهى تتحدث :
- لا مش لدرجة هربت بكره هكون موجودة
بداخله يشتعل نارًا لكنه يحاول تفسير السبب او
يعلم لكنه يحاول أن ينكره فدائمًا ما كان يسمع
الغيرة على شخص لكنه أول مرة يعلم أنها تؤلم
كأى مرض جسدى زفر بحرارة وهو يطالع ابتسامتها
انهت المكالمة فأسرع وهو يقول بضيق:
- عايز أيه ؟! هو متعود يكلمك متأخر كده؟!
هزت رأسها بالنفى واحتدت ملامحها :
- شغل عادى وبيأكد عليا ميعاد بكرة . لا مش متعود
ساد الصمت بينهم طويلًا ثم قالت له بصوت مختنق :
- عايزة اروح
نهض فى ثبات يقف امامها وهو يطلب الحساب
اخرج النقود من جيبه ووضعها فى ظرف الحساب
ثم اردف بحزم :
- يلا بينا
*****
فى صباح اليوم التالى
خطت خطواتها داخل الشركة وهى بأوج لحظات
سعادتها قد حصلت على وظيفة ثابتة
رفعت معصمها تطالع ساعتها وصلت فى ميعادها
طرقت على الباب ودلفت للداخل وما أن وقعت
عيناه عليها حتى وقف يطالعها وكأنها أول مره يراها
هل هذه ابنة عمه فعلًا، نعم الشبه واضح بينهم
عيناها بهم محبة وطهارة وصفاء لكن ملامحها
الجميلة ذابلة، لكنه اقسم أنه لن يتركها بعد الآن
لن يتركها تواجه ذئاب عائلته بمفردها
بللت شفتيها ثم حدثته بنبرة منخفضة اخرجته من شروده :
- لو مش فاضى ؟! انا ممكن امشى وآجى بعدين
ابتسم وهو يهز رأسه بالنفى قائلًا :
- رجعتى فى كلامك ولا أيه اتفضلى اقعدى
تقدمت تجلس على المقعد امامه بينما هو نهض
من خلف مكتبه يجلس على المقعد المقابل
لها ويرمقها بنظرة تحمل فى طياتها الكثير
والكثير، لكنه كابح ظهور أى شئ على وجهه
ثم قال :
- بس يعنى المكتب نور من دخلتك على الصبح
زمت شفتيها ثم قالت بنبرة منبهة :
-تااانى
تحرك من امامها ليجلب فنجانين ووقف امام ماكينة
صُنع القهوة ثم اردف :
- يا ست كيان بالراحة عليا كل مرة كده
طب والله المكتب نور بيكى
تحرك وهو يضع فنجان القهوة امامها بينما هى ابتسمت
باستيحاء :
- ميرسى.. ياريت العقود عشان امضى لأنى عندى
محاضرة
- كلية أيه ؟!
- اداب تاريخ
اومأ لها بالإيجاب ولم يُرد أن يضغط عليها اكثر
فتوجه يجلس خلف مكتبه ووضع العقود امامها
وعليها القلم لكنه تعمد اخفاء اسمه وضعت القهوة من يديها على الطاولة
وهى تلتقط القلم وتنقش اسمها فى الخانة الفارغة
بينما هو حك ذقنة النامية قائلًا :
- طب مش كنتى تقرأى العقود الأول ؟!
قطبت جبينها ثم سألته :
- قصدك أيه؟! ما الأنسة بيلا بعتالى نسخة على واتساب
غمز لها بمكر قائلًا :
- طب مش ممكن اكون بمضيكى على بيع املاكك
تذمرت بغضب طفولى قائلة :
- باشمهندس انا مش غبية
ضحك بتوسع ثم هز رأسه نافيًا :
- تؤتؤ مش قصدى بس أنا بنبهك
كمان مبحبش حد يقولى باشمهندس ممكن
طاهر بس مش بحب الألقاب
رفعت نظرها إليه ثم ابتسمت وهى تهز رأسها :
- لا مينفعش
اجابها باصرار :
- لأ ينفع اوى .. كمان انا حجزت مكان وابتدوا يشتغلوا
فيه وهيبقى مطبخ كبير وانت الشيف المسئول عن
كل حاجة وهيبقى فى مساعدين تحت ايديك
استغرقت كيان عدة دقائق وهى تستوعب ما قاله
ثم هتفت معارضة :
- لأ كده كتير انا مش شيف ولا ده مجال دراستى
يعنى أنا على قدى مينفعش
- الدراسة مش كل حاجة وانتى
قدها وانا واثق فيكى واعملى حسابك عيد ميلاد بيلا
اول حاجة هتبتدى بيها
ثم اكمل حديثه بغمزة :
- اشربى القهوة وقولى رأيك يمكن تاخدينى مساعد شيف
التو ثغرها وهى ترتشف القهوة قائلة :
- اخدك مساعد شيف عشان قهوة من الماكينة
الطموح حلو بردو
قهقه الاثنان معًا ثم نظر لها بتمعن فهو ليس امامه سوى
الصبر حتى تنطوى أيام الفراق وتبدأ ايام المصارحة
ويتصل حبل الحب
****
بعد الظهيرة
ما لبث أن دخل ضياء المكتب وجدها تنهض تلملم
اشياءها توسعت ابتسامتها ثم حدثتة قائلة :
- ضياء !!
وقف امامها وهو يتأملها بأريحية ثم تقدم منها يمد يده لها بصندوق صغير :
- صباح الورد .. أنا جيت ألحقك قبل ما تروحى
المكتبة عشان جايبلك حاجة يارب تعجبك
ابتسمت وبدءت بفتح الصندوق وجدت داخله
هاتف والكثير من انواع الشوكولا الفاخرة فقطبت حاجبيها ثم رمقته بنظرات متساءلة
وهى تحمل الهاتف ابتسم قائلًا :
- افتحى.. الباسورد تاريخ افتتاح المكتبة
وادخلى على الجاليرى وهاتى اول فيديو
ادخلت كلمة السر ثم فتحت المقاطع وشاهدت
فيديو مجمع لها يحمل صورها على اغنية
عيونها تتدرج كامواج البحر الزرقاء وهى تطالع مقطع
الفيديو افعاله تُأسر قلب أى امراة فرفعت عيناها إليه
وضعت يديها على شفتيها وهى تنظر له باعجاب :
- ايه الجمال ده مش معقولة عرفت تجمع الصور
دية كلها ازاى
جلس امامها بثقة قائلًا :
- شغل التصميم ده لعبتى انا جنياس فى الحتة دية
ده غير إنى بعشق التصوير وخاصة الاماكن النادرة
والسياحية انا عندى لاب للصور دية
جلست هى الاخرى وعينيها تلمع بحماس قائلة :
- وأنا جدًا وحاولت فترة اتعلم التصميم بس مليت
بسرعة بس بحب اماكن التصوير اوى
صمت للحظة ثم اردف :
- انتى صح وطلعت فى حاجة بتجمعنا
انا مستعد اعلمك
مدت يديها تناوله الهاتف وهى تقول :
- بس مش عايزه اتقل عليك
وقف وهو يلملم اشياءها معاها وهو يقول :
- الفون ده ليكى وهعلمك عليه هدية منى
ويلا عشان اتأخرنا على المكتبة
حينما يهوى قلب الرجل أمراة
قتلت ألف امرأة داخله ولا يرى سواها
*****
بعد مرور عدة ساعات توجه ضياء إلى المركز التجميلى
وبداخله سعادة يشعر أنه بفصل الربيع والازهار
الفواحة تتفتح بصدره برائحة الحب
وما أن وطئت قدمه المكتب وجد كنان يمضى على
اوراق متأففًا بكلل ثم رفع نظره يحدجه بنظرات
نارية :
- البيه كان فين من الصبح مش فيه اجهزه طبية
المفروض تمضى على استلامها وجاية بأسمك
جلس ضياء على مقعده وهو يزفر متسائلًا :
- هااا مالك يا سيدى؟!
وأيه اللى مضايقك كده ؟!
زمجر كنان ثم قال :
- أيه مسمعتش اللى قولتوا
التو ثغر ضياء ثم ابتسم بتهكم :
- لا أنجز مش هقول مالك كتير انا مش مرتبط بيك
القى كنان القلم من يده ثم إتكأ على مقعده للخلف
وهو يغمض عيناه بارهاق وسرد له ما عاشته كيان بأسى وما أن انتهى، اعتدل فى جلسته يستند
بمرفقيه على سطح المكتب يتابع ردة فعل ضياء
بينما ضياء تجمدت ملامحه يحاول استيعاب حجم
تلك المعاناة التى عاشتها ثم ضيق عيناه بشك قائلًا :
- انت متأكد ولا خيالها واسع اصل الموضوع صعب أوى
تنفس بعمق ليرد عليه بانهاك :
- بغض النظر إنى صدقت كلامها من أول حرف
لأخر وملامحها الدليل لكن بردو امبارح اول مروحت
اتصلت بالمحامى وأكد كلامها
تساءل ضياء بتعابير مهتمة :
- طب ناوى على أيه ؟!
استرعى كلامه انتباه كنان فسأله مستفسرًا :
- فى أيه ؟!
مش فاهم قصدك
استطرد ضياء يقول بجدية :
- يعنى انت عملت الجواز ده حجة عشان تديها الشقة
ومش تشك ولا تدور وراك انك ما اخدتش اى اجراء ضدها
وكانت حجتك أنك مش هتقدر توفر مكان ليك
فبقول خلاص ومتضغطش اكتر عليها بقعدتك
فى الشقة معاها وحاول تديها مبلغ كويس
وعرفها الحقيقة وبعد كده طلقها تشوف
حياتها وكفاية اللى شافتوا من يوم ما اتولدت
بهتت ملامحه وجف حلقه شاعرًا بغصة فى صدره من كلمة الطلاق لكنه حاول اعطاءه تفسيرًا ارتجاليًا كى
ينطلى عليه حتى يعلم هو السبب الأساسى فقال :
- تانى يا ضياء متركز معايا شوية انا بنزل ادور عليه
فى المنطقة هناك على اساس انى من اهل الحتة
عشان حد يوصلنى بالسمسار ده الكل بيقول هو الكبير
فى كل حاجة وماحدش بيبيع غير بأذنه فكده لو سأل
هيعرف إنى مش جاى من بره وبدور على مكان اوسع
مش هيشك وهيطمن وهشوفه خصوصًا أن ملف
القضية اتقفل على ما اظن
تعقدت تعبيرات وجه ضياء قائلًا :
- ما كفااااية يا كنان هو ايه .. مش حاسس باللى انت
فيه متورط فى ..جوازة ..وحوار مالكش فيه وعمى
هو اللى هيتصرف .. طلقها وعوضها ماديًا وخد بالك
انت كده بتأذيها كمان
خرج عن صمته بجملة واحدة :
- أنا ماشى مش ناقص كلام منك
خرج من المكتب وقطع الردهة بخطوات متسعة
وسريعه
*****
ولج طاهر إلى منزله من بعد انتهاءه من حفلة اليوم
بأرهاق خلع سترته وألقاها على المقعد ثم تقدم وهو
يجوب المكان بعينه يبحث عن والدته حتى وقعت
عيناه على التى تجلس على الأريكة ولا تعيره انتباه
وقف امامها يحدجها بغيظ ثم هتف :
- هى ماما فين ؟!
لم تجيبه وظلت على وضعها وهى تضع طلاء الاظافر
ثم رفعت يديها وهى تطالع اظافرها باعجاب
زفر طاهر بغضب وهو يمسح على شعره مرورًا بوجهه
فصاح بها بحدة :
- هاااااجر أيه اطرشتى مش سامعة ؟!
بقولك ماما فين والباقى ؟!
تنهدت وهى تغلق زجاجة الطلاء ثم اجابته فى تعجب :
- هو انت مش قولت يا هاجر متدخليش اوضتى
ومالكيش دعوة بأى حاجة تخصنى
بتكلمنى ليه بقى ؟!
صر اسنانه بغيظ محاولًا أن يتحكم بغضبه قائلًا :
- اه متقربيش من اوضتى
ومالكيش دعوة بأى حاجة تخصنى
بس لما أكلمك تردى عليا
اجابته ببرود :
- ايوه يعنى مش شايفنى مشغولة بحط المانيكير
كور كف يديه من شدة غيظة ونظراته تحمل الوعيد قائلًا :
- وانتى طالعة من بيتكم عشان تحطى المانيكير بتاعك
هنا .. انجزى ماما وكرم وبابا فين
التو ثغرها ثم نفخت فى اظافرها حتى تجف
ورفعت عيناها إليه تجيبه :
- خالى نزل المحلات وخد كرم معاه
ماما نزلت تجيب حاجات للبيت وسابت البيت
فى امانتى انا .... على الله حكايتك بقى
تابع طاهر بنفس نبرة صوتها قائلًا :
- على الله ياخدك .. على الله ياخدك يا هاجر
ثم انصرف موليها ظهره وهو يتمتم ببعض الكلمات :
- مستفزة بنى ادمة مستفزة
******
بمجرد أن دلف للداخل وداعبت انفه رائحة الطعام
وتلاقت أذنه صوت الاغانى فابتسم تلقائيًا وقادته
خطواته نحو المطبخ كالعادة تعمل وتصب كامل
تركيزها فى الطهى وقف خلفها يحدق بها
فى صمت ثم اقترب يغلق اللاب خلفها،
انتفضت ثم استدارت، وجدته يقف خلفها
فابتسمت بهدوء :
- حمدلله على السلامة انا خلصت وكنت هتطفيه
تمتم كنان مبتسمًا :
- لأ خلاص اتعودت خدى راحتك أيه كل الأكل ده
عندك اوردر
هزت رأسها بنفى :
- لأ ده أكل للملجأ متعودة أعمل كده من ايام
ماما هدى هما اكتر ناس مننا نكون قريبين منهم
صمت للحظات هو يعمل خير دائمًا لكن لم يفكر ابدًا فى اطفال الملجأ، تنهد ورمقها بابتسامة ثم انصرف إلى غرفته، هزت كتفها بعفوية وهى تطفأ الموقد على الطعام
بعد مرور ساعتين خرج من غرفته فوجدها تجلس
امام شاشة التلفاز تشاهد احد برامج الطهى كالعادة
فجلس بجانبها وهو يمد يده لها بقرص مدمج
قطبت حاجبيها وهى ترمق القرص متسائلة :
- أيه ده ؟!
ابتسم لها ابتسامة بسيطة ثم قال :
- السى دى ده بتاعك
جحظت عيناها ثم قفزت من مكانها وهى تضرب صدرها ثم حدثته موبخة :
- يا نهارك اسوود سى دى بتاعى يعنى أيه
انت كنت حاطتلى كاميرات بتتجسس عليا
يابن ال.
سحبها من ذراعها بين اصابعه الغليظة ليمنعها من اكمال
وصلة توبيخها قائلًا :
- أيه دماغك القذرة دية
ده السى دي بتاعك لكارتون روبنزل الجزء التانى
كنت للاسف جايبوا ليكى بس خلاص انا غلطان
نهض واقفًا يوليها ظهره فاسرعت تمسك يديه
وهى تترجاه قائلة :
- اسفة اسفة مقصدتش ممكن السى دى عايزة اتفرج
عليه
التفت لها طالع لمعة عيناها فهى انثى بروح طفلة
ومازالت لم تتجاوز طفولتها فتلألأت الدموع بعيناها
هكذا تثبت انها مولودة للتو من رحم البراءة
حاول كبح نفسه من ضمها وتجفيف دموعها
بشفتاه نفض افكاره سريعًا وهو يناولها القرص
فقفزت بسعادة وفرحة فجلس ثانية.
فسالته بتوتر :
- انت هتتفرج معايا ؟!
وضع ساق فوق الاخر ورفع حاجبه بمشاكسة :
- لو مش عجبك اخده اتفرج جوه
هزت رأسها بالنفى :
- لا هوا هاجيب اللاب واجى
بعد مرور ساعة وقد وصل الفيلم الكارتون المنتصف
فجاءة شعر بثقل يرتمى فوق كتفه رمقها بطرف
عيناه فوجدها تغط فى نوم عميق ابتسم بداخله
وظل يراقبها وقلبه يثور بداخله كأنه بحرب حاول ان يكبح جماح نفسه إلا أنه خضع لقلبه مد ذراعه يضمها وكأنه يخشى عليها من الخدش، حتى تثاقلت جفونه هو أيضا
فى الصباح شعرت باشعة الشمس تتسلل
لعيناها فتحت عيناها بتمهلل قطبت حاجبيها
ثم كتمت شهقاتها بيدها وتسللت بهدوء على
اطراف اصابعها نحو غرفتها
****
بعد مرور عدة ساعات فى مكان عملها انطفأت الأنوار فجأة وهى تعمل بالمطبخ الجديد
فشعرت بهلع وهى تتخبط بين الأوانى خوفها بلغ
ذروته، التقطت اذنيها صوت اقدام لكنها لم يهدأ
ذعرها بل تضاعف حاولت أن تبتلع ريقها بصعوبة وهى
ترتجف قائلة :
- مين ؟!
↚
الغيرة مثلها مثل أى مرض تؤلم الجسد وبشدة
***
مييين ؟!
حاوطت نفسها بذراعيها وهى تنكمش على نفسها كلما
سمعت صوت الاقدام تقترب، مرت دقائق قليلة وعادت
الأضاءة طالعت وجه طاهر فتنفست الصعداء وقدمها
اصبحت كالهلام ودموعها تنهمر على وجنتيها فجلست
قرفصاء ارضًا فاسرع طاهر يجثو امامها ويهدئها قائلًا :
- كيان مالك ؟!
ده النور عمل قفلة
بس فى ايه لكل ده ؟!
كيان انتى كويسة ؟!
أومأت له وهى ترتجف فنهض مسرعًا يحضر لها كوبًا
من الماء وهو يرمقها بحيرة يبدو أن هناك خطب ما :
- طب اتفضلى اشربى واهدى كده ماكنتش اعرف
أن قلبك خفيف كده
مسحت دموعها بظهر يديها كانت حركة طفولية بحتة
فكانت فى غاية البراءة و الفتنة معًا فتحدث طاهر
وهو ينظر للأعلى قائلًا :
- لأ لأ .. متوصلش لكده .. اعوذبالله منك مش كده
ابعد عنى انا بتلكك
قطبت حاجبيها مستغربة :
- انت بتكلم مين ؟!
رد بتلقائية :
- لا ده الشيطان هو اللى كان بيكلمنى
تراجعت للخلف بتوجس :
- نعم!!!!!
ارتسم الجدية ثم اشار لأذنه وهو يقول :
- اسف كانت معايا مكالمة فى السماعة البلوتوث
هزت رأسها بتفهم، حاول أن يعاونها على القيام لكنها رفضت
وتحاملت على نفسها لتكمل العمل فقال :
- من بكرة هيكون فى معاكى المساعدين
اما النهارده انا المساعد بتاعك ايه رأيك ؟!
- لا معلش كده مش هعرف اشتغل
- ليه ؟! انا هاساعدك بس انتى مش خايفة النور يقطع
عضت على شفتيها بخوف :
- لا لو كده خليك بس ممكن تقعد من غير ما تساعدنى
نظر إلى حركة شفتيها ثم نظر للأعلى قائلًا :
- عارف ان البنى ادم دعييف بس ياريت تهدا شوية
عليا انا على اخرى
ثم رمقها بابتسامة وهو يشير إلى اذنه فهزت رأسها
واكملت التحضيرات
*****
مر يومان منذ اخر جلسة بينهم وهو لم يراها
لا يعلم ماذا اصابه، كل مايرغب به هو الاطمئنان
عليها، فقط الأطمئنان عليها، وقف فى الردهة امام
باب غرفتها وهو يطالع النور من تحت عقب الباب
ففى هذه المدة القصيرة علم انها تنام وتترك
الاضاءة يعلم انها تخشى الظلام كل هذا يعلمه
في هذه الفترة لكن ما لا يعلمه لماذا لم تخرج
من غرفتها رغم انه منذ تلك الليلة وهو اقنع
نفسه أن ذلك الشعور ليس سوى تعاطف معاها
لكنه عزم على توفير كل سبل الأمان لها حتى وأن
لم يكتمل ذلك الزواج، فتحت باب غرفتها
فجأة وجدته يقف امامها فشهقت كأنها رأت
شبحًا للتو، بينما هو ابتسم كأنها أضاءت عتمة
روحه، شعور غريب يتسلل لقلبه بمجرد رؤيتها
بخير فقال :
- صباح الخير
ساد الصمت لثوانٍ وقد فاجئها وجوده امام باب
غرفتها سألته مستفسرة :
- انت واقف قدام باب الاوضة ليه كده ؟!
اجابها دون تردد :
- كنت جاى اطمن عليكى مش ظاهرة بقالك يومين
تلاقت عينيها بعيناه الزيتونية لا تعلم سبب خفقات قلبها
الذى كاد أن يخرج من محجره لكنها فسرت سعادتها
بأهتمامه لان لااحد يريدأن يطمئن عليها فاجابته :
- لأ بس عشان جدول الميدتيرم نزل وكمان استلمت
شغل جديد فى الشركة وباشمهندس طاهر سلمنى
اول حفلتين ومنهم عيد ميلاد بيلا فمضغوطة
اجابها بتهكم وبنبرة حادة :
- خلاص بلاها وركزى فى امتحاناتك كده كتير
هزت رأسها بالنفى قائلة :
- لا مينفعش مش عايزة اخسر ثقة الباشمهندس
ده اول اوردر يطلبه منى ده غير إنه وفر ليا
مكان زى مطبخ كبير وأنا المسئولة عنه
انا هحاول وهاقدر بإذن الله
شعر بضيق من نفسه من تلك المشاعر المفرطة
تلك المشاعر التى تلامس قلبه خلسة كلما رأها
او تزيد نيرانه كلما نطقت اسم رجل اخر غيره
تنهد بثقل قائلًا :
- اللى يريحك بس المهم صحتك فى الأول
اطرقت رأسها من نظراته التى تحاصرها قائلة بخفوت :
- تمام
*****
عقدت ذراعيها امام صدرها وهى تشيح بوجهها عنه
قائلة بتذمر :
- خلاص يا ضياء مش عايزة اتعلم انت بتتريق
عليا وبس
رمقها بعدم تصديق بينما ارتشف من قهوته وهو
يردف بهدوء :
- بيلا بتريق ايه دية حاجات سهلة وانتى مافيش
فايدة لازم تورينى كارنية الكلية بتاعك
احتل الغيظ كل دماءها ثم حدثته بابتسامة باردة :
- لا مش هاوريك حاجة ومش عايزة اتعلم ويلا بقى
عشان فى كتب عايزة ارتبهم
ابتسم ضياء بتلقائية :
- عنيفة اوى فى ردود افعالك، لا مش هامشى هرص
معاكى الكتب
تريثت لبرهة ثم ابتسمت بمكر قائلة :
- تصدق حلو العقاب ده يلا بقى ابتدى
أكمل بنفس النبرة ثم اردف بخبث :
- هو ده عقاب ده انتى حنينة اوى
ثم استرسل :
- لا لازم ارص الكتب وانا شايف الضحكة
وانا اسف على التنمر كمان
اومأت له وهى تجلس فى الكرسى المقابل له والتقطت
جهاز التحكم وقامت بتشغيل موسيقى هادئة :
- طب طالما اعتذرت انا عيد ميلادى اخر الاسبوع ده
وهنعمل حفلة فى بيتى
توقف عن رص الكتب وهو يعقد ما بين حاجبيه قائلًا :
- اخر الاسبوع ده اللى هو بعد كام يوم لسه فاكرة
تقولى ليا احنا تقريبًا كل يوم مع بعض
تنهدت بثقل قائلة :
- انا الصراحة مش حابة اعمل عيد ميلاد بس
طاهر رتب كل حاجه هو ماما
طاهر اللعنة، رغمًا عنه كاد يموت من الغضب كلما
تذكر أن طاهر يسبقه بخطوة إليها، أوصد عيناه
محاولًا أن يستجمع ثباته ثم اردف بنبرة اشد حزمًا :
- ايوة بصفته أيه هو اللى يرتب لعيد ميلادك
هواء قاسى كالجليد يتخلل الصمت بينهما حاولت أن تتجاهل شعورها كأنثى بغيرته التى ترضى روح الانثى
بداخلها ثم اجابته وهى تتحاشى النظر إليه :
- طاهر صديقى المقرب من ايام الكلية او بالاحرى
صديقى الوحيد لأنى مش باخد على حد بسهولة
وكانت من ضمن احلامنا اننا نبقى مصممين حفلات
ومع اول عيد ميلاد ليا قرب واحنا مع بعض حب
يعمل تجربة وكلم ماما وعملوا العيد ميلاد كله
من ترتيبه وكانت حفلة ولا اروع وساعتها اتشجعنا
وفتحنا الشركة ولأن اول حاجة اتعملت العيد ميلاد
بتاعى .. طاهر بيرتب ليه كل سنة تلقائى بس
حرك رأسه متفهمًا بصمت فكل ما عليه الآن هو الصبر
فالصبر دائمًا مفتاح الفرج فاصدر صوتًا خافتًا وهو يجيبها باقتضاب :
- امممم تمام
*****
فى المساء
ولج كنان للداخل هو يجوب بعيناه المكان حتى ظهرت شبح ابتسامة تعزف على ثغره وهو يرمقها بتفاجؤ
نائمة على الأريكة والكتب تقع على الأرض ومازالت
يدها قابضة على القلم، اولاها ظهره تاركًا اياها نائمة
إلا أنه وقف عاجزًا كيف يتركها هكذا وهى
نائمة على الأريكة هز رأسه بيأس، ثم دنا منها يحملها
بين ذراعيه متجهًا بها إلى غرفتها وكانت رائحتها تتغلغل
داخله وتخلق جاذبية يصعب مقاومتها، وضعها على
الفراش برفق وكأنه يقوم بمهمة ذرية بالغة التعقيد
وحينما انتهى سحب الغطاء يدثره عليها ثم تمتم :
- مش حاسة بنفسك من كتر التعب دماغك ناشفة
تصبحى على خير
*****
فى صباح اليوم التالى فرقت جفنيها بصعوبة من اشعة الشمس التى تسللت لغرفتها فجأة انتفضت بفزع فاليوم امتحانها نزعت عنها الغطاء ووضعت قدميها
ارضًا ثم عقدت حاجبيها في استنكار فقد ادركت للتو انها نائمة على فراشها فهى اخر ماتذكره انها كانت على الاريكة وتلخص المادة، امسكت رأسها وكأنها تثبت
مكان عقلها، التقطت الهاتف فطالعت الساعة فدارت
حول نفسها وهى ترتدى ملابسها حتى لا تتأخر
على الامتحان
خرجت من غرفتها ترتدى بنطال من الجينز وبلوزة
باللون الوردى وحجابها الابيض و حقيبتها على ظهرها
وجدته يقف فى المطبخ يقطع الخضار فاقتربت
منه متسائلة :
- صباح الخير، انت بتعمل ايه ؟!
-صباح الورد، بحضر فطار لينا
اجابها ببساطة، فهزت رأسها بالنفى قائله :
- لا شكرًا عندى امتحان هتأخر
أكد كلامه وهو يمد امامها الصحن :
- لأ هتفطرى بسرعة
نظرت للأريكة ثم نظرت له بشك متساءلة :
- هو انت رجعت امتى امبارح بليل
رفع نظر إليها وبداخله يود أن ينفجر من الضحك فقال :
- رجعت متأخر شوية
حبست انفاسها وهى تقول بتوتر :
- وأنا كنت فين ؟!
رفع كتفاه بعدم فهم ثم سألها بمكر :
- انا هعرف منين انتى كنتى فين ؟!
أيه ده هو انتى ماكنتيش هنا بليل ؟!
كنتِ فين ؟!
كانت تتفرسه بنظراتها لتتأكد من صحة كلامه انتابها
الشك للحظات ثم قالت :
- لأ أنا كنت نايمة جوه هاروح فين ؟!
كده هتأخر سلام
حبس انفاسه يمنع نفسه من الضحك ثم قال :
- هترجعى بعد الامتحان الساعة كام
اجابته وهى تتجه صوب الباب :
- لا هتاخر عندى تحضيرات بكرة عيد ميلاد
بيلا
التو ثغره ثم هز رأسه متفهمًا
****
بعد الظهيرة
بعد الانتهاء من امتحانها ذهبت لعملها مسرعة وبدأت فى تحضير الطعام بنصف عقل، بداخلها
مازالت تشعر بشئ غريب فى حديثه أيعقل أن
يكون هو من حملها لفراشها هزت رأسها بنفى :
- لا لا مستحييييل
كان طاهر يقف على مسافة قريبه منها ثم قطب
ما بين حاجبيه وهو يراها تحدث نفسها فاقترب
منها وهو يضحك :
- أيه سماعة بلوتوث بردو، ولا هى جينات العيلة
رمقته بغرابة :
-باشمهندس طاهر مش فاهمة بتقول أيه ؟!
قرص مقدمة انفه قائلًا :
- لا متركزيش معايا
قولتلك طاهر بس
- لا مينفعش
تركته واستعادت كامل تركيزها وبدأت فى العمل
لكنه قرر مشاكستها حتى تناديه باسمه بدون ألقاب
كلما قطعت شئ وضعه فى فمه وبدء فى فتح الثلاجة
واخراج السلطات كل هذا تحت نظراتها المتذمرة
ثم تناول كيس المكسرات وبدأ فى تناوله
كانت ممسكة بالسكين بيدها ثم حدثته بانفعال :
- طاهررر بس بقى اكلت كل المكسرات اللى هتتحط
على الرز حتى السلطات بوظتها
ابتسم قائلًا وهو يلاعب حاجبيه :
- ايوه كده طاهر من الأول
*****
وقفت امام المرآة تطالع نفسها ثم التفتت له بتذمر
قائلة :
- ضياء انت ايه اللى جابك معايا
انا كان لازم موافقش .. ماله الفستان ده هااا
ده الفستان العاشر وانت شغال لأ لأ
كان جالسًا واضعًا ساق فوق الأخرى هز رأسه بالنفى :
- تؤ تؤ انتى مش شايفة كتافه عريانة
تنهدت بثقل ثم قالت :
- هروح اغير انا مش هاشترى
ثوانى ولجت البائعة وهى تقول :
- الفستان اللى طلبته حضرتك
أومأ لها ثم قال :
-بليز اديه للأنسة تقيسه
طالعته بيلا بذهول تكاد تجن من فوضي المشاعر بداخلها
فكل حركة يفعلها معاها تنعش كل خلية بداخلها، التقطت
الفستان وهى تتجه للداخل وما أن ارتدته حتى شهقت
من جماله، ازاحت الستار عن الغرفة فهب واقفًا يطالعها
بنظرات عشق خالصة ، عيناها الفيروزية الفريدة تأسره
بينما هى حاولت كبح دموعها بصعوبة قائلة :
- الفستان حلو
هز رأسه بنفى بينما هى تحولت ملامحها للحزن
فهمس بجانب اذنها قائلًا :
- انتى اللى حليتى الفستان مش هو اللى حلو
اطرقت رأسها باستيحاء ثم توجهت نحو المرآة ثانية
تطالع نفسها ..
*****
فى المساء
- انت رايحة العيد ميلاد بكرة
تلك الكلمات التى اردفها كنان وهو يقف خلفها التفتت له
قائلة :
- لا انا مش هاروح فى ناس هى اللى هتبقى مسئولة
هناك .. انت هاتروح
حك مؤخرة رأسه قائلًا :
- لازم اروح ضياء مأكد عليا كأنى ابوه
ضحكت وسلطت نظراتها عليه بتوتر ورطبت
شفتاها وهى تتمتم :
- ربنا يباركلك فيه، تصبح على خير
قرر البوح عما فى صدره انه يريد أن يقضى وقت معاها فاوقفها قائلًا :
- خليكى سهرانة معايا لسه بدرى
اغمضت عيناها لبرهة لتُسكن نبضات قلبها،
ثم تلاقت عينيها بعيناه ولأول مرة تغوص
بملامحه هكذا، جاذبيته طاغية انتبهت على
نفسها واخفضت بصرها ولملمت نفسها ثم همست :
- عندى امتحان الصبح وبعد كده هطلع على الشغل
قلبه يؤلمه على تلك الصغيرة التى تتكبد متاعب
الحياة بمفردها، غامت عيناه بحزن واهتزت تفاحة
ادم خاصته هامسًا :
- مش كتير عليكِ
اجابته بحزن وهى تبتسم قائلة :
- لأ اتعودت على كده تصبح على خير
- تصبحى على خير
******
تقف امام المرآة وهى تمشط شعرها وتدندن بعض
الاغانى، سمعت صوت فتح الباب من خلفها فابتسمت
بسخرية ولم تلتفت فهى تعلم من الذى وطأت اقدامه
الغرفة ثوانى وصدح صوته عاليًا :
- هاااااااجر
التفتت له وهى تزم شفتيها بسخرية قائلة :
- خير .. افندم عايز ايه من هاجررر
تحرك بؤبؤى عيناه داخل مقلتيه بغضب واصبحت
ملامحه مغتاظة فهتف من بين اسنانه :
- انتى بتعملى أيه فى اوضتى انتى مش بتفهمى
أومأت له ثم تجاوزته تجلس قرفصاء فوق الفراش
قائلة :
- اوضتك سابقًا دلوقتى دية اوضة كرم
مش انت انسحبت بردوا
انعقد حاجبيه بغيظ وكاد أن يصرخ بعلو صوته فقد
نفذ صبره منها،لما لا ينقض عليها الآن ويخنقها
بالوسادة حتى تلفظ انفاسها ويُخلص البشرية منها
تنهد يسألها بغيظ :
- هاجر هو اللى بيجرى فى عروقك ده أيه ؟!
رفعت نظرها للأعلى مدعية التفكير :
- امممممم .. شربات يا عينيه
التو فمه بسخرية :
- قولى فسيخ مش شربات
المهم اى حاجة غير الدم
همت بالرد عليه قاطعها دخول كرم وهو يجفف شعره
ثم نظر إليها بابتسامة :
- صباحووو يا جوجو
- صباحوو يا كوكو
ثم اكملت بثقة قائلة :
- صحيح يا كوكو هى مش دية اوضتك وانا ينفع
ادخلها
عقد كرم حاجبيه بضيق بينما ابتسم طاهر بشماتة
وهو ينتظر الرد فقال كرم :
- ايه الكلام ده يا هاجر انتى بتسألى دا الاوضة
والبيت كله تحت امرك
طالعه طاهر بصدمة وذهول وهو يزمجر :
- اه قول كده بقى انت ليك معاها مصلحة
والمصالح بتتصالح مش كده فتبعينى أنا
ثم استرسل : وانتى ما تطلعى عند خالك عاصم شوية
ليه نصحى من النوم نتصبح بيكِ وننام على خلقتك
برود
اجابته ببرود :
- احبوش لا هو ولا مراته
وقف والده على اعتاب الغرفة قائلًا :
- صباح الخير
عاملين ايه ؟! معلش عايز طاهر شوية
انصرف طاهر وهو يتمتم بينما اقترب منها كرم يمد يده
وهو يهمس :
- علبة السجاير
لوت شفتيها وهى تجلس على حافة الفراش :
- سكتك خضرا يا كرم قال علبة سجاير قال
احمد ربنا ان مقولتش لخالى ومرات خالى
اه كمان بلاش عشمك فيا يقتلك لأنى معرفش
هسكت لأمتي
- بيييياعة اوى يا هاجر
لوحت بيدها قائلة :
- يلا يا بابا هنرش ميه اتكل على الله بلاش غلّبه
متفرهدنيش لسه اليوم طويل
جز على اسنانه قائلًا :
- هاجر انتى اللى يتعامل معاكى المفروض يخرج
اعصابه عصب عصب يطبطب عليه عشان يتكلم
معاكى
******
خيرر يا بابا
هذه الجملة التى نطق بها طاهر
تنهد والده بثقل قائلًا :
- أنا عايز اشوف بنت عمك من ساعتها وهى شاغلة
تفكيرى .. واكيد مش عايزها تعرف أن انا والدك
جلس طاهر بجوار والده قائلًا :
تحب تيجى الشغل وتشوفها انا هبقى اعرفك بيها
من بعيد، ولا اقولك مش انت مسافر السخنة صح شغل صح، فى فرح
فى السخنة تعالى وشوفها
ربت حسين فوق كتف ابنه قائلًا ::
- الدم الدم يا بنى هيحن من غير ما تعرفنى
↚
لا نملك عصا سحرية لأرجاع الحياة للوراء،
لكن القلوب تعود بالإهتمام والحب
*****
فى يوم الحفل ذهب كنان بصحبة ضياء إلى الحفل
كان كنان يرتدى قميصًا ابيض يبرز عضلاته وبنطال
اسود وصفف شعره بعناية اضاف له جاذبية
وكان ضياء يرتدى حليته الرمادية، يبحث عنها
بانظاره بينما كنان كان يطالع المكان باعجاب قائلًا :
- شغلهم راقى اووى
وزع ضياء نظراته بالمكان وهتف بتهكم مغتاظ :
- عادى يعنى مش للدرجة
لكزه ضياء فى كتفه قائلًا :
- انت قاصد صح ؟!
قرص كنان مقدمة انفه قائلًا :
- عشان تبطل تسحلنى معاك وبعدين حاسس إنك جاى
اوى على طاهر، ده شخص محترم وذوق
- ايوه أنا مفترى عايز ايه ؟!
رفع كنان كتفه بعدم اكتراث واخيرًا بعد البحث عنها بعيناه وجدها تقف مع صديقتها او كما يظن فقادته خطواته إليها ومعه كنان ثم قال :
- كل سنة وانت طيبة
التفت له بفستانها الذى اختاره هو، كان بلون الزهرى
ذو الياقة مطرزه بالفراشات واكمام طويلة من قماش الشيفون وعلى
الصدر فراشات كثيرة وشعرها الطويل الذى
جعلته للخلف بصورة راقية وانيقة فكانت غاية
فى الجمال والكمال مع ابتسامتها الساحرة
فهمست :
- وانت طيب يا ضياء
ابتسم كنان قائلًا :
- كل سنة وانتى طيبة
اومأت له بايجاب ثم اشارت إلى والدتها قائلة :
- مامى
الدكتور كنان والدكتور ضياء
توسعت عينا ضياء وكنان وتبدلت ملامحهم بصدمة
والذهول فقال ضياء :
- صاحبتك اسمها مامى حلو الإسم وجديد
هزت رأسها بنفى بينما ابتسمت والدتها فاردفت
بيلا تصحح معلوماته :
- ضياء مامى . مش اسمها دية مامى بجد
كنان بصوت هادئ :
- ربنا يبارك فيها بس اللى يشوفها يقول اصحاب
وميعرفش مين الكبيرة كمان
والدتها بابتسامة واسعة :
- ميرسى ليكم ولذوقكم، بس أنا عمرى ما بقول انها
بنتى على طول بقول بنت اختى عشان متكبرنيش
بيلا بابتسامة واسعة كشفت عن نغزتيها المُهلكتين قائلة :
- كده يا مامى
تابع ضياء بمشاكسة قائلًا :
- لا يا كنان احنا نقفل المركز ونرجع على دبى طالما
فى حد زى طنط بيهتم بجماله
أومأ كنان مؤكدًا على كلامه :
- اتفق بشدة
قطع حديثهم صوت والدها مناديًا ومعه الضيوف، فابتسمت له وهى تهز رأسها ثم قالت :
- ضياء خمسة هاشوف دادى وارجع، نورت يا دكتور
كنان
رفع ضياء نظره على باب الحديقة فطالع
كيان فلكز كنان قائلًا :
- ايه ده كيان جت اهى هى كمان
وقف كلا من كنان وضياء يطالعها كانت ترتدى فستانًا
بلون الأسود وعليه كنزه من الجينز وحجاب بلون الأحمر
كانت تخطو ببطء وكأنها طفلة تتعلم المشى نظراتها
وملامحها تقول انها تخشى الناس، تحرك كنان للذهاب
إليها وفجأة تخشبت قدماه وهو يرى طاهر يتقدم
منها وقف بجوارها واخرج هاتفه ومد يده بها للأعلى
يلتقط لهم صور وهى تبتسم له وترفع يديها
بعلامة النصر واخرى وهى ترسم العبوس اصبح
كنان يجلس على فوهة البركان، انطلق كالثور
الهائج ولكنه وجد شئ يعوق حركته فالتفت فكانت يد
ضياء :
- اهدى أيه مالك ده شخص محترم وذوق
اعطاه كنان نظرة تحمل فى طياتها الكثير والكثير
فرفع ضياء يده علامة الاستسلام وسار خلفه
بينما كنان إلتهم الخطوات الفاصلة بينهم حتى وقف امامها يرمقها شزرًا، هى كانت على علم بوجوده لكن نظراته غريبة جعلتها ترتبك، ابتسم طاهر :
- دكتور كنان اعرفك الشيف الجامد بتاعنا كيان
رمقها ثم رمقه وجميع مؤشرات جسده تنذر بشئ
واحد انه على حافة انفجار فقال :
- كيان
اسرعت وهى تقول :
- اتعرفت عليه فى الافتتاح فرصة سعيدة
يا دكتور كنان عن اذنكم
تجاوزته ورحلت بخطوات سريعة، اشعلت فتيل غضبه
بفعلتها الهوجاء فلماذا تتحاشى ذكر علاقتهم؟ حاول
التماسك بهدوءه ورزانته المعهودة ، بينما تحدث طاهر
بنبرة يغلب عليها الغيرة :
- اتعرفتوا على بعض ازاى بقى ؟!
اجابه ضياء باقتضاب :
- بيلا عرفتنا عليها
بينما كنان اشاح بوجهه للجهة الأخرى، انصرف طاهر
ووقف ضياء بجوار صديقه متساءلًا باستغراب:
- فى أيه ياكنان كنت هتقول أيه ؟!
*****
وقفت فى زواية بعيدًا عن الصخب وهى تتذكر
نظرات كنان وغضبه، هل كان سيعلن ما يربطها
به انها تكون زوجته، نظراته كانت تثبت ذلك، نظرات اسد تعدى على ممتلكاته ابتسمت
بتهكم على ما نسجه عقلها من احلام وردية لم تكن
تحلم بها يومًا
- أيه اللى جابك ؟!
تلك الجملة نطقها كنان من الخلف مما جعلها تنتفض
ثم تنفست الصعداء واجابته بنبرة جاهدت لرسم القوة بها :
- ماكنتش هاجى بس طاهر اصر اجى كمان عشان بيلا
غلت الدماء بعروقه ترى لأى مدى وصلت العلاقة
بينهم لكى ترفع الألقاب :
- طاهر !!!!
اطرقت رأسها بحزن فهى ظنته يستنكر أن تنطق اسمه
بدون القاب ثم رفعت عيناها بحزن قائلة :
- اكيد هو اللى اصر انا مش هاشيل الألقاب منى
لنفسى
توسعت عيناه بذهول مما وصل إليها من حديثه،
تلك الغبية، تبدو كطفلة صغيرة تحمل روح انثى
حزينة، اعينها تحمل البراءة والاغواء فى نفس
اللحظة هى طفرة بكل ما بها فريدة من نوعها سحب نفسًا
عميقًا كأنه لم يتنفس لأعوام قائلًا :
- سلمى على بيلا ويلا عشان نمشى
هزت رأسها وانصرفت فهى لم تعد قادرة على تحمل
طغيانه اكثر، بينما هو طالعها وهى تخطو بخطواتها
بعيدًا وايقن بداخله أن مشاعره لم تكن تعاطف او
عطف
****
على الجانب الاخر
- الفراشات هتاكل منك حتة
تلك الكلمات اردفها ضياء وهو يطالع بيلا
ابتسمت بخجل :
- ميرسى يا ضياء
بادلها الابتسامة بسعادة وعشق وهتف بنبرة مفعمة
بمشاعر :
- على فكرة النهارده ميحسبش
بكره انا هاحتفل بعيد ميلادك بطريقتى عشان اقدملك الهدية
كلماته تتهادى فوق اوتار قلبها الراضى بكل ما يقدمه
لها حتى انها تناست امر اعاقتها وعاشت معه الجنون
فقالت :
- طب ما الفستان كان هدية
هز رأسه بالنفى قائلًا :
- لا ده مالوش علاقة
مطت شفتيها باغراء بدون وعى قائلة :
- تمام
حك ضياء مؤخرة رأسه ثم همس :
- اموت واعرف بطعم ايه ؟!
اجابته ببراءة :
- هو ايه يا ضياء اللى بطعم ايه ؟!
قهقة عاليًا ثم قال :
- انواع الكنافة اللى هناك دية
هزت رأسها بتفهم قائلة :
- طب انا هاروح واشوف نطفى الشمع
ونفتح البوفيه
انصرفت من امامه فطرق كفًا بالأخرى :
- ده يوم افتتاح البوفيه مش هارحمهم
****
جلس ضياء وكنان على طاولة معًا ينظران امامهم
بنظرات ثاقبة حيث كانت تقف بيلا بصحبة كيان
لكن اشتعلت النيران داخلهم فجاءة عندما اقترب
منهم طاهر، جاهدوا فى الحفاظ على ثباتهم،
حتى مال ضياء على كنان قائلًا :
- سمج اوووى
مازال كنان على وضعه يضيق عيناه قائلًا :
- لا وبيلزق كده
همس ضياء بخفوت :
- تحس أنه عايز علقة كده
قطب كنان حاجبيه ثم اردف وهو يحك ذقنه :
- مش هيأكل معاه شايف عضلاته شبه الباب
الواد ده عايز يتاخد على سطوح الواد حمادة
ابتسم ضياء ثم اردف بشر :
- او نعملوا عملية تحويل مسار ونرتاح منه
- تحويل مسار ليه مالنا ومال معدته احنا
هز ضياء رأسه بالنفى وهو يغمز له مردفًا :
- يا جدع تحويل مسار من طاهر لطاهرة
تاء مربوطة يعنى وصلت
طالعه كنان بصدمة قائلًا :
- عنيف اوى انت يا ضياء متوصلش لكده
ثم استدار وجد بيلا قد رحلت وطاهر يمد يده لكيان
بوردة حمراء جز على اسنانه ثم نهض واقفًا :
- حضر اوضة العمليات يا ضياء
قهقة ضياء قائلًا :
- طب استنى نفتح المركز مش كان حد ذوق طاااه
****
التف الجميع حول الطاولة التى عليها كعكة عيد الميلاد
وبدأوا بالاغانى وانطفأت الأنوار فوقف كنان خلفها يهمس فى اذنها :
- اسبقينى على العربية بره دلوقتى حالًا
انتفضت من صوته ومن قربه بهذه الطريقة ثم قالت بنبرة خافته بعناد::
- نعم!!!
بنبرة حازمة لا تقبل النقاش قال :
- من غير كلام كتير يلا على بره
*****
بعد مرور عدة دقائق كانت تقف امام السيارة، تطالع
الباب وجدته يقطع الطريق ثم فتح باب السيارة دون
أن ينظر إليها واستقل هو السيارة خلف عجلة القيادة
حدق بها بصمت ثم حرك محرك السيارة وانطلق
استدار لها متساءلًا :
- أنا شايف علاقتك مع طاهر مرتاحة اوى
تمتمت بصوت خافت وهى تحاول ان تكون طبيعية فاجابته متساءلة :
- مش فاهمة تقصد أيه ؟! لكن هى فى حدود الشغل
اجابها فى امتعاض :
-كل ده وفى حدود الشغل
ساد الصمت بينهم للحظات حتى وجدته يسير فى طريق غير طريق المنزل فهتفت :
- ده مش طريقنا رايح على فين ؟!
تجاهلها حتى توقف فجأة بسيارة وصفها جانبًا قائلًا :
- انزلى
ترجلت من السيارة وهى تنظر امامها فهو صف
امام احدى محلات الحلويات الشهيرة فى وسط
البلد فرمقته فى استغراب فابتسم قائلًا :
- أيه رأيك نأكل ايس كريم ونتمشى
التمعت عيناها بالفرحة ثم هتفت فى حماس :
- ياريت انا بحبه أوى
وقف امام عربة الايس كريم يختاروا الأنواع مد يده
لها بعلبة الايس كريم اخذتها بسعادة ثم تناول هو علبته
وسار بجانبها فبرغم من هدوء الليل إلا أنها
كانت تجد ضجيج داخل قلبها يجعلها تشعر بالفوضى
بداخلها، وقعت عيناها على بائع بالونات الهليوم
كانت تطير عاليًا بسبب الهواء الطلق
فلاحظ هو ابتسامتها الخفية للبلونات فالأكيد
أنها حرمت من أبسط الاشياء فى طفولتها فجأة
قطع بها الطريق يقف امام الرجل وهو يسألها :
- تاخدى أى واحدة
اشارت إلى صدرها وهى لا تعلم تبكى ام تفرح
ارتجف فكها وهى تهز رأسها والدموع تتلألأ بعيناها
فهم هو حرب المشاعر التى بداخلها فسأل الرجل :
- كلهم بكام
ابتسم الرجل بسعادة بالغة فسوف ينتهى من بيع
البلونات ويعود إلى منزله
فاجابه مسرعًا فهز كنان رأسه وهو يعطيه النقود ثم تناول
البلونات يعطيها لها حاولت كتم شهقاتها قائلة :
- كانت كفاية واحدة بس
ابتسم وهو يقول :
- كفاية الفرحة دية .. بعدين خلى الراجل يروح
تابع سيرهم وهى عيناها معلقة بالبلونات مثل الفراشة
الحايمة على النور وبعد سيرهم مسافة لا بأس بها
كانوا يقفوا امام كورنيش النيل ثم جلسوا وهم
يطالعوا النيل فى صمت ثم نظرت له بامتنان :
- شكرًا على الحاجات دية
هى ليست ملكة جمال لكنها تحمل روحًا تجعلها أجمل
نساء العالم بأكمله بل هى اجمل نساء العالم فى نظره
تنهد قائلًا :
- المهم عندى إنك اتبسطى
رفعت بصرها للبلونات ببسمة راضية وسعيدة تزين
ثغرها، تشعر بان غرفة من قلبها فتحت ليتسلل
بداخلها شعاع النور، أما هو بداخله رغبة ملحة فى ضمها
لجعلها ضلعًا رفيقًا لروحه فجأة بدأت فى الحديث وهى تنظر امامها بحزن :
- تفتكر لو كان شافنى وضمنى لصدره اول ما اتولدت
كان حس إنى بنته، يمكن كنت صعبت عليه
عارف لما بشوف بوست على الفيس عن حنان
الأب وهو السند غصب عنى دموعى بتنزل مش
بحقد ابدًا بس كان نفسى اجرب الشعور ده
لما كنت بشوف البنات يوم الامتحان وباباهم
واقف يدعمهم ويقويهم كنت على طول اسال
نفسى ياترى شعورهم أيه ؟! يعنى مبسوطه؟!
اصعب شئ لما يبقى مصدر الأمان هو مصدر وجعك
طب عارف ساعات اركب الميكروباص وممكن يركب
راجل كبير فى السن افضل ابص ليه واقول يا ترى انت ابويا
حاولت أن تتمالك نفسها لكن دموعها انهمرت على وجنتها
شعر بسهام تخترق مضغته ( قلبه) من حديثها ثم مد يده يمسح دموعها من على وجنتها مثبت بصره على عيناها
قائلًا :
- انتى تعرفى أن عينكى فيها سحر .. الحزن اللى
فيها بيسحر، رغم أن الحزن بيطفى بس انتى
لسه فيها لمعة الأطفال، فيها نور اى حد يشوفه
يمشى ورا، عينين لايق عليها الفرح يا كيان انسى
انتى تستاهلى حياة احسن
قلبها ينبض بعنف كأنه فى حلبة مصارعة، طائرة
باجنحة الهيام الجارف لكن عقلها يذكرها بالنهاية
المأساوية، ارجعت رأسها للخلف بارتباك، فوضع
يده فوق يدها فانتفضت تنزع يديها منه فطارت
البلونات فاندفعت خلفها وغشاوة من الدموع
غطت عيناها فانصدمت بشخص لف يدها حول
خصرها مسحت دموعها سريعًا قبل ان تشعر
بيد تقبض على معصمها وتسحبها خلفه
فابتسم ذلك الشخص بتهكم :
- فى أيه بس ما الناس لبعضيها وكفاية كده واتكل
على الله أنت
تشبثت بقميصه من الخلف وهى ترتجف قائلة :
- كنان يلا بينا لو سمحت انا خايفة
حرك ابهامه على شفته السفلى قائلًا برغبة:
- هى القطة مالها ؟! مش عاجبها ولا أيه ؟!
في ثوانى كان يلكمة فى صدغه فوقع ارضًا وانقض
عليه كنان بلكمة حتى اصبحت الدماء تسيل من
انفه
فجاءة صدحت سيارة الشرطة ونزل الضابط قائلًا :
- هاتلى الناس دية على البوكس نشوف حكايتهم
ايه ؟!
↚
نظرة بائسة كست عيناه نحوها، كأنها كُتب عليها
الشقاء والقهر لم يتخيل ابدًا أن اليوم سينتهى هكذا
رمق ذلك الرجل الذى يجلس امامه بنظرات مشمئزة
مزعوجة، ثم اعاد نظره إليها ثانية ، مال عليها
يطمئنها ببعض الكلمات حتى قاطعه دخول ضياء
وما أن وقع نظره على كيان وكنان معًا قال :
- اداب تانى يا كنان يا بنى أيه اللى جرالك ؟!
قاطعه الضابط بحدة :
- انت يا بنى ءادم انت ناسى نفسك فين ؟!
واداب أيه اللى بتتكلم عليه
التفت لكنان وهو يهمس :
- مش اداب ؟!
صر كنان اسنانه وهو بداخله يمطره بوابل من الشتائم
فابتسم ضياء للضابط قائلًا :
- هى فى كلية اداب وكل مرة يضيع عليها الامتحان
لم يقتنع الضابط بحديثه :
- اقف هنا على جنب لحد ما نشوف حكايتكم
توسعت عين ضياء :
- لا انا مش معاهم انا دكتور وكنت جايب المحامى
عشان نخلص
ابتسم الضابط بتهكم قائلًا :
- لا هتقف كده على جنب ووسع من وشى احسن هتباتوا
هنا كلكم
****
خارج قسم الشرطة حيث بدأت اشعة الشمس ان تسلل
معلنة عن يوم جديد ربما يحمل الأمل للبعض
كان كنان على وشك نعت ضياء بلفظ خارج إلا انه
راعى وجودها ثم حدثه بحدة :
- البعيد مش بيميز داخل تقول اداب
انت داخل تأكد على حبسنا جوا
التو ثغره ثم حك ذقنه وهو يطالع كيان بنظرات
ذات مغزى قائلًا :
- ألاه هو انت شلفطت الراجل اللي جوا ليه ها ؟!
اجابه كنان باقتضاب :
- انت هتروحنا لحد البيت ومسمعش صوتك
رد عليه بسخرية قائلًا :
- كان على عينى والله بس عندى مشوار الصبح بدرى
فاطلب اوبر انا مش السواق الخصوصى بتاعك
انصرف ضياء دون أن يسمع رده، فاندمجت عيناها بعيناه
فابتسم لها يطمئنها واخرج هاتفه وبدء فى الضغط
على الشاشة مرات عدة دقائق وكانت تقف امامهم
السيارة
****
ولجت للداخل بإرهاق ممزوج بالحزن، تحاول السيطرة على ارتجاف قدميها ويديها، لحظات
بسيطة من السعادة سرقتها من الحياة الغير العادلة لكنها
لم تكتمل،تهربت بمقلتيها بعيدًا عنه، تشعر بخنجر قاسى فى فؤادها، لم تشعر بتلك الدموع التى غزت مقلتيها رفعت يديها سريعًا تمسحها حاولت أن تستعيد ثباتها المبعثر
رأى عبرات عينيها التى تغزو مقلتيها، يشعر بما تشعر
به، بداخله شفقة وحزن وألم عليها وقف امامها بابتسامة
قائلًا :
- بقينا رد سجون
طأطأت رأسها بألم قائلة :
- أنا اسفة
ضحك وهو يحك ذقنه النامية قائلًا :
- لا بس حلو جو الاكشن والمغامرة
توسعت عيناها بصدمة قائلة :
- ايه ده ايدك اتجرحت اقعد اقعد هاجيب علبة
الاسعافات
يجلس على الاريكة بينما هى تضع كفها تحت كفه
وبالاخر تقطب جرحه، كانت قريبة منه جدًا حتى
أن عبقها يتسلل داخل خلاياه، فراتحتها كانت عنبر، كان يحاول كبح جماح نفسه أن يفك حجابها
ويحتجزها بين ذراعيه ويده تتحرك بحرية داخل
خصلات شعرها خرجت آنة خافتة منه عما يجوب
بصدره، رفعت بصرها سريعًا قائلة :
- أنا خلصت خلاص اهو معلش وجعتك
ارتسم الوجع قائلًا :
- شوية
- هاروح أنام شوية عشان انزل على الشغل
نظر بطرف عيناه ثم تنهد يتمتم :
- طب مش هنأكل انا جعان اوى
قطبت ما بين حاجبيها تطالعه باستنكار فهو دائمًا يتناول
الفطور وحده :
- طب افطر
رفع يده المصابة مدعيًا الألم قائلًا :
- طب كده ازاى
- هعملك سندوتش والقهوة
هز رأسه بالنفى قائلًا :
- لا لا مش هيسد معايا خالص جعان اوى
التو فمها بسخرية قائلة :
- مش المفروض انك فيجترين
- كنت
تنهدت وتوجهت للمطبخ ترتدى مريلة المطبخ
بينما هو انصرف من امامها وكعادتها انفصلت عن
العالم الخارجى بمجرد ان تبدأ فى الطهى
مرت عدة دقائق وكان يقف امامها يرتدى
تيشيرت اسود ويضع المنشفة حول عنقه وبعض
قطرات الماء تنهمر على وجه من شعره المبلل، ابتلعت
بصعوبة من هيئته هكذا تحرك يقف بجانبها متسائلًا :
-خلصتى ولا لسة ؟!
اجابته بتشتت:
-هاااااا
ابتسم بانتصار عندما طالع تأثيره عليها وقرر مشاكستها
لكن قاطعه رنين هاتفها، فطالعته ثم تجاهلت الرد
رمق الهاتف ثم رمقها رافعًا حاجبه :
- ما تردى وتشوفى مين ؟!
- خلاص بطل رن
صدح رنين الهاتف مره ثانية فتنهدت تلتقط الهاتف
وتضغط على زر الاجابة :
- ألو .. صباح الخير
- لأ بس حسيت نفسى تعبانة شوية فروحت
- لا مش حاجة كبيرة قلة نوم
كل هذا تحت نظرات كنان القاتلة وقد برزت عروق
رقبته من شدة الغضب بينما هى تكمل
- نعم.. لأ صعب مش هينفع
لا مش هينفع مش فكرة اهلى ولا امتحانات صعب
هحاول افكر بس هو صعب ... تمام مع السلامة
انهت المكالمة وبدأت فى سكب الطعام فى الصحون
هذه الحركة من التجاهل اثارت جنونه فسألها بحدة :
- كان عايز ايه ؟!
رفعت كتفها بعدم اكتراث قائلة :
- كان بيشوفنى مشيت امبارح فجأة ليه ؟!
رفعت عيناها وجدته ينتظر تفاصيل اكثر :
- فرح بنت خالة بيلا فى السخنة هيسافروا يومين
هناك اخر الاسبوع وبما إنى الشيف عايزينى
اسافر هناك بس انا رفضت لأن اساسا الفندق
هيجهز كل شئ بس هو عايزنى مشرف
التمعت فكرة فى رأسه فابتسم وقد تبدلت ملامحه قائلًا :
- طب دية فكرة حلوة، هتكونى خلصتى امتحان
روحى غيرى جو
هزت رأسها بالنفى :
- لا مش بحب السفر مش هاروح
حك مؤخرة رأسه قائلًا :
- لا هتسافرى .. بس معايا
اكيد ضياء هيزن انى اروح
معاه فنسافر مع بعض، وافقى بس قوليلهم هاتروحى
وترجعى لوحدك
*****
بعد الظهيرة
فى شارع المعز بالقاهرة يعد اكبر متحف للآثار الاسلامية بين العهد الفاطمى والمملوكى،
شارع أثرى به عبق التاريخ ومنشأت اثرية رائعة
كانت بيلا بصبحة ضياء يسيطر عليها الانبهار
تلتمع عيناها بسعادة فهى لم تأتى لزيارة ذلك
الشارع من قبل لكنها علمت خطأها بينما ضياء
كان يحمل كاميرا يلتقط لها صورًا كثيرة
ووقفت امام محلات المهن التقليدى تشترى
تذكار من هذا المكان، بزغت عيناها عندما وصلت
امام دكانًا بداخله الازياء التقليدية، العباءات،
الملاءات اللف، والبراقع بمختلف الوانها، مطعمة بأزارر ذهبية
وقفت ترتدى هذه الملابس فوق ثيابها وضياء يلتقط
لها صور عديدة، انقضى النهار حتى جاء وقت الغروب
جلسوا على مقهى ذو طابع قديم يأخذون استراحة وكوب قهوة يسمعون اغانى ام كلثوم فقالت :
- انا مبسوطة جدًا ولا عمرى تخيلت إنى اتبسط كده
ياضياء بجد ميرسى على اليوم الجميل ده
ابتسم بلطف متمتمًا :
- المهم تكونى اتبسطى
كل سنة وانتى طيبة
قطبت ما بين حاجبيها قائلة :
- بردو انت عايش فى دبى ازاى عارف كل حاجة هنا
طالعها بابتسامة جذابه قائلًا :
- شوفى يا ستى والد كنان مستثمر كبير فى مصر
حوار مشاركات وكده فكان بينزل فى اجازة الصيف
يشوف شغله، وكنا انا وكنان بننزل معاه هو يشتغل
واحنا نلف الدنيا هنا
هزت رأسها بتفهم دقائق وكانت تستقل السيارة
بجواره فى طريقهم للعودة للبيت، شردت فى اعاقتها التى تخفيها عنه ثبتت نظرها عليه، ضياء بوسامته ومكانته الاجتماعية واسلوبه الانيق الذى يحرص دائمًا أن يعاملها به كأنها ماسة يخشى عليها من الخدش فهو حلمًا بعيًدا بالنسبة إليها تنهدت بثقل تتابع الطريق
امامها حتى وصلوا امام منزلها فصف سيارته
فابتسمت له بامتنان قائلة :
- شكرًا على اليوم الجميل ده
- شكرًا ليكى انتى انك تكرمتى عليا بيه، فى مفاجأة
مستنياكى جوه
توسعت عيناها بذهول وترجلت من السيارة
تتجه للداخل مسرعة ..
****
طلت بزراقوتيها، تخشبت قدميها كانت فى حالة انبهار
امامها حوضًا من السمك به جميع انواع سمك الزينة وبجواره ارجوحة تتدلى احبالها من جزع شجرة متين ملفوفة بالورد وتنتهى بلوح خشبى مسطح، تشبه ارجوحة الأميرات سيطرت الصدمة على ملامحها دمعت عيناها ثم سمعت خطوات من خلفها فالتفت وجدته يقف خلفها يضع يده فى جيب بنطاله همست :
- انت اللى عملت كده يا ضياء ؟!
مال برأسه قليلًا ثم سألها مستفسرًا :
- أيه وحش ؟!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا قائلة :
- لأ طبعًا بس منين عرفت إنى بحب اسماك الزينة
كمان المرجيحة تخطف القلب .. ضياء اللى عملتوا
ده كتير
نظر لها بطرف عيناه مردفًا :
- ده اسمه فطنة، مش اى حد انا
اما المرجيحة فده لأنى بشوفك اميرة ولازمك المرجيحة دية طبعًا
وقفت وهى تنظر امامها وداخلها صراع
تشعر بذلك العشق الذى يسوق القلب دون تريث لكن العقل ينهرها بقوة أما قلبها يترجاها أن تتركه
يعيش هذه المشاعر ويظل عقلها يقول أنه
حلمًا أما الواقع فليس لها ....بابتسامة زائفة :
- ده من اسعد ايام حياتى ميرسى جدًا يا ضياء
******
فى المساء فى احد المطاعم الفاخرة جلس كلا من ضياء وكنان بينما اردف ضياء بملل :
- فى أيه يا كنان مش فاهمك عازمنى هنا ليه؟!
انا كنت محتاج اروح انام
نظر له وافكاره تتقاذفه يمينًا ويسارًا كيف يجعله هو من
يترجاه تابع بثقة :
- حبيت نغير جو مع بعض وكمان عرفت أن بيلا
فرح بنت خالتها اخر الاسبوع
ابتسم وهو يقول :
- اه فى السخنة وهما يومين وعلى فكرة
انا هاروح
وصل إلى مراده ابتسم داخله بخبث ثم قال بحدة
طفيفة :
- وحضرتك ناوى تسحلنى معاك طبعًا
اجابه ضياء مسرعًا :
- لأ
رفع كنان شفتاه مستنكرًا :
- أيه هو اللى لأ ده ؟!
سأله ضياء متعجبًا قائلًا :
- مالك يا بنى فى أيه؟! هاروح انا وانت خليك هنا عشان الشغل
صاح كنان بانفعال قائلًا :
-يعنى انت تسافر وتهيص وانا اتسحل هنا ؟!
توسعت عين ضياء بذهول قائلًا :
- انت بتعلى صوتك ليه ؟!
انت عايز ايه مش فاهم ؟!
تنهد ليردف بكبرياء :
- اروح معاك
قهقة ضياء على افعال صديقه الطفولية قائلًا :
- قلب أمك
التو ثغر كنان بتهكم بينما اردف ضياء بجدية :
- لو الموضوع زى ما انا فاهم أنا شايف أنه صعب
يا كنان.. أهلك مش هيوافقوا وكمان هيبقى الموضوع
حمل عليك، غير انها فعلًا ظروفها مش مناسبة
ليك وو
برزت عروق رقبته وارتسم الغضب على ملامحه :
- متكملش يا ضياء عشان اللى بينا... الموضوع
ده ميخصش حد غيري أنا
وأنا مش عيل صغير
فرك ضياء وجهه بكفه :
- انا عايزك تفهم موضوع بيتها اللى تهد وابوك اللي
طرف فيه، هى شخصيًا، مامتك استحالة تقبل بيها
كمان خطيبتك
هب واقفًا يلملم اشياءه قائلًا :
- انا مش خاطب حد وكل اللى بتقولوا ده هقعد معاها
ونتكلم فيه يلا سلام
*****
كان طاهر ممددًا على فراشه ويده خلف ظهره يطالع الصور التى التقطها لهم بنظرة عاشق يبتسم لأبتسامتها
ويتذكر مشاكستها فى المطبخ قبل الحفل، شرد بخياله
ابنة عمه زوجته وهو يقف خلفها فى المطبخ يهمس
فى اذنيها بكلمات الغزل بينما هى تبادله باستيحاء
فجأة انتزع منه كرم الهاتف يطالع صورتها وهو
يطلق صفيرًا :
- مين المزة ؟!
انتشل منه الهاتف وهو يهتف بعصبية قائلًا :
- أيه قلة الادب بتاعتك دية داخل من غير ما تخبط
وكمان تخطف الفون وتقول مزة!!!!
ما تحاسب على كلامك
ارتمى كرم بجسده على الفراش وهو يضيق عيناه :
- تؤ تؤ الحمقة دية يبقى الموضوع بجد وكده انت
محتاج نصيحتى
طالعه طاهر بابتسامة ثم هز رأسه سريعًا قائلًا :
- فى دية عندك حق انا عايز نصيحة زير نساء زيك
- مفيش حاجة ببلاش
-عايز أيه يعنى ؟!
اخرج كرم علبة السجائر بتكاسل من جيبه واشعل واحدة ثم قال :
- هاشرب السيجارة ولا كأنك شوفت حاجة
توسعت عين طاهر بفزع قائلًا :
يانهار اسود انت بتشرب سجاير
اطلق دخان سيجارته فى الهواء الطلق مردفًا :
- مش وقت اندهاش لأن لو أمك عرفت هولع فيك
- ياشيخ منك لله
قال طاهر جملته وهو يراقب والدته من فتحة الباب
الشبه مغلق ثم ترك مكانه وتوجه يفتح شباك الشرفة
اقترب كرم من ان ينهى سيجارته ثم اطفأها
و ألقى بجسده على الفراش قائلًا :
- تعالى يا بييييه بتحب ومقضيها صور عايش
دور عبد الحليم
تأفف طاهر ثم تابع :
- المشكلة اننا لسه عارفين بعض بص اصلًا الموضوع ده معقد
- لا نفكه وندخلها من ثغرتها هى بتدرس،ولا خلصت،
ولا ايه نظامها، ولا بتشتغل ايه ؟!
هز طاهر رأسه قائلًا :
- هى فى اداب قسم تاريخ
وبتحب المطبخ اووى شيف يعنى
ساد الصمت للحظات ثم ابتسم طاهر بفخر قائلًا :
- عرفت ثغرتها مش بتحب التاريخ
انا هقولها اوعى تذاكرى تاريخ بغير عليكى من
عين جالوت .. وكل ما تعمل اكل اقولها يا تكاتوا يا حركاتوا
عض كرم شفته السفلى بغيظ :
- مينا موحد القطرين فخور بيك وبهبلك صدقنى .. بالنسبة للتكات والحركات ان شالله النار تولع فيك .. ياجدع
يخربيتك ضيعت هيبة التاريخ
اجابه بامتعاض :
- ايوه عندك ثغرة ادخل منها ولا تنمر وبس
ضحك كرم بتهكم وهو يضرب اخيه بالوسادة :
- اه ابقى ادخلها من عين شمس .. ويلا اقوم مش ناقصة هبل على المسا
******
يوم السفر
تستقل بجواره السيارة لا تعلم كيف انساقت لأوامره
كيف هدمت ذلك الحاجز الذى تضعه بينها وبين الناس
لقد تحولت تحت تاثير ذلك الرجل كالكفيفة تسير
على خطاه تنهدت تنفض هذه الافكار عنها، ستستمتع
بهذه الايام ثم يكون ما يكون
تذمرت وهى تسمع هذه الموسيقى الهادئة حاولت
أن تتأقلم معاها أو حتى تدندن على انغامها
بحركة تلقائية مدت يديها تغلق الراديو
اما هو نظر لها بطرف عيناه باستنكار :
- قفلتى ليه ؟!
التو فمها ساخرة :
- وربنا حاولت بس مش قادرة الموسيقى دية
عصبتنى هو احنا فى الاوبر
زجرها بنظرة استنكار ثم نظر امامه يتابع القيادة بحاجب
مرفوع وفم ملتوٍ قائلًا :
- بقى الموسيقى دية تعصب ؟!
بحثت فى حقيبتها عن شئ ما وهو يتابعها بنظراته
ثم اخرجت فلاشة تمد يديها بها :
- فلاشية بس ايه اخر روقان
انزعجت ملامحه متسائلًا :
- اسمها فلاشية يخربيت اللغة انتى بتهينى الإنجلش
اوى على فكرة
مدت يديها تضع الفلاشة وتشغل الاغانى وما أن
صدح حتى هزت رأسها قائلة :
- اهو كده جو الرحلات مش جو الجنازات العسكرية
قطب كنان حاجبيه بدهشة ثم صرخ بها بنبرة هادرة :
- مهرجانات .. بتشغلى مهرجانات .. اقفلى اللى
شغلتيه ده
تأففت بضيق وهى تعقد ذراعيها امام صدرها قائلة :
- اه مهرجانات مش احسن ما انت بتنام كده
وهنعمل حادثة ... مش عاجبك اروح اركب فى باص
الشغل ونهيص
اجابها معنفًا بحدة قائلًا :
- نعم ايه تهيصى دية كيان اسكتى متقفلنيش من اليوم
بعد مرور ساعة كان يغنوا معًا على اغانى هادئة
وهو يطرق بيده على المقود كانوا فى حالة انسجام
معًا بينما هو كان يتابع تعبير وجهها بابتسامة راضية
فجأة توقفت عن الغناء وحركاتها البلهاء وهى ترى
نظراته لها فصمتت تنظر امامها بينما شعر باستيحائها
كل حركة منها تجذبه يجد جمال الحياة وعالم جديد
لم يختبره من قبل فى جمال عيناها
******
- اما نشوف اخر التحكمات ..
هذه الجملة قالها ضياء وهو يتكأ على سيارته امام
احد الفنادق فى السخنة بينما رمقه كنان بنظرة
استخفاف قائلًا :
- مش وصلتها وقومت بدور سوبر مان
أيه هتنزل معاهم فى الفندق ليه خالة العروسة مثلًا
يلا يلا افهم يلا ده انا بعززك افهم
لكزه ضياء فى كتفه قائلًا :
- قدامى اما نشوف ايه الحوار مش مرتاحلك
وقف كنان ومعه ضياء وكيان امام عاملة الاستقبال
ذات الشعر المصبوغ بالاحمر ووجهها يحتوى على
كمية كبيرة من مستحضرات التجميل فهمس ضياء
لكنان قائلًا :
- لأ احمر ويحير
غمز له كنان وهو يهمس له :
- احمر على ابوه يا بطيخ
زمت كيان شفتيها قائلة :
- انت بتقولوا ايه ؟!
قهقة ضياء وهو يطالعها :
- كيان سورى نسينا إنك معانا
ثم نظر لكنان واكمل :
- شكلنا هنتعب على ما نتظبط
حمحم كنان وهو يسأل الموظفة على حجز الغرف
طالعته بدلال قائلة :
- ايوه يا فندم فى غرفتين باسم كنان
هز رأسه متفهمًا ثم نظر لكيان مدعيًا الضيق قائلًا :
- دلوقتى ياكيان انا حاجز اوضتين ليا وليكى
بس للأسف ضياء مش لاقى حجز
حك ضياء ذقنه وهو يطالعه بدهشة قائلًا :
-يابن **** لأ شابوو سالكة ياباااا
ده فندق ابوك يا جاحد اصلا
قاطعته هى باستغراب :
- طب عادى فيها أيه انت وهو اوضة دول يومين
لم يعلق ضياء على حديثها بينما اكتف بنظرة بطرف
عيناه لكنان الذى تحدث بدوره :
- استحالة انا وضياء مع بعض ده بيشخر
وبيهلوس طول الليل لا النوم معاه مش مريح صعب
اطلق ضياء ضحكات متتالية قائلًا :
-بيييياع اوى بيييياع
هزت رأسها بنفى قائلة :
- انا ممكن اروح ليا غرفة تبع الشركة فى الفندق معاهم
وانت اوضة وضياء اوضة كده اتحلت
برزت عروق كنان قائلًا بضيق :
- افندم!!!!
ربت ضياء على كتفه قائلًا بخبث وهو يميل على اذنه:
- بالراحة على نفسك انت صغير على الذبحة
وهى بتضرب ولا تبالى
نفض كنان يد ضياء قائلًا بنبرة حازمة :
- امسك ضياء مفتاح اوضتك و اتفضل
وانتى جاية معايا من البيت يعنى هتفضلى معايا
لحد ما نسافر وصلت يلا بقى عشان وقفتنا طولت
↚
ليست كل عثرات الحياة ضدك، بل بعضها لبداية جديدة
****
فرك وجه بضيق وهو يطالع تلك المرابطة فى الزواية
وكلما اقترب منها خطوة كادت أن تذوب داخل الحائط
تأفف من خوفها الغير مبرر قائلًا :
- ممكن افهم انتى خايفة كده ليه ؟!
انا عايش معاكى من شهرين حصل منى حاجة
تستدعى الخوف ده اوعى تفتكرى أن باب الاوضة
كان ممكن يمنعنى عن حاجة
هزت رأسها بنفى قائلة بحزن :
- ده شئ بيبقى جوايا بس انا مش خايفة
يود أن يسحبها بين احضانه لكنه سينتظر حتى تعتاد عليه حتى لا يخيفها، عزم امره اول شئ سيفعله عند
العودة للقاهرة هو اخبار اهله بكل شئ قاطعته هى
قائلة :
- طب انا لازم اروح دلوقتى اشوف الاستعدادت
لأن طاهر كان مصمم اروح معاهم بس قولتلوا
أنى هكون هناك من اول اليوم
ضم قبضته بقوة حتى ابيضت مفاصله وقست
نظراته :
- ايوه يعنى ايه صمم حضرته ديي
اجابته بحزم لتنهى النقاش قائلة :
- يعنى ده شغلى وانا ملزومة بيه وبالنسبة ليا أنا فرصة
ماقدرش اضيعها عن اذنك
طالعها بنظرات تحمل فى طياتها وعد بالأمان،
وعد أن لاتحمل عبئًا للظروف أو الضمائر اجابته بنظراتها
الممزوجة بالحيرة والتوتر والخوف قطع الصمت
قائلًا :
- كده كده انا وضياء رايحين ناخدك معانا
- بلاش كده احسن
اجابته بنبرة يكسوها الحزن، انصرفت بينما
هو مازال على وضعه بداخله يتألم لأجلها
******
- بس كده هو ده اللى جيت عشانه
قالت كيان جملتها باستغراب، هو يعلم أن وجودها ليس
له اهمية بالنسبة لحفل الزفاف فطهى الطعام واشرافه يخص
الفندق الحجز شامل كل شئ، لكن وجودها سيفرق معه
هو تنهد قائلًا :
- المهم انك تقولى المنيو كده كويس ولا لأ
بعدين يا كيان احنا تيم ويا ستى طالما الأكل
تمام ساعدينى انا مش شايفانى مسحول
ابتسمت بترحيب مردفة :
- اوك تمام اوى قولى اقدر اساعد ازاى
ظل يتأملها باعجاب ثم قال :
- المفروض إنى اقولك نشرف على تصميم الورود
بس انا مش شايف وردة غيرك
ارتبكت وهى تحاول تضبط وضع حاجبها ثم قالت :
- طب تمام هروح اشوفهُ
كل هذا تحت نظرات كنان الذى وصل للتو بصحبة
ضياء ثم بدأت جلسة التصوير للعروسين على الشاطئ
انضم اليهم ضياء ومعه هاتفه وبدء فى التقاط صور
لبيلا، بينما هى كانت تطالع الجميع بنظرات متألمة
اعتصر فؤاده عليها فوق كل هذا هو مطلوب الابتعاد
عنها كأنها لا تعنيه، رسى يخت كبير على الشاطئ امامه وصعدت العروسة واصدقائها وكان معهم ضياء فهو لا يفارق بيلا اصبح كطيفها ،اما هى مازالت على اعتاب الشاطئ فجأة اقترب منها طاهر بخفة يقذفها بالماء ابتسمت وهى تخبأ وجهها منه، بدأت محركات اليخت
تعمل وقبل أن تنطلق سحبها معه على اليخت
انتفض كنان فى جلسته حاول اللحاق بهم لكن
كان اليخت انطلق يشق المياه وقف كأسد جريح
تم حبسه بالقفص لتو
بعد مرور ساعتين كان اليخت يقف على الشاطئ
والجميع يهبطوا بسعادة ساعتين مروا عليه سنون
اقترب منه ضياء سريعًا وهو يعلم بما يمر به صديقه :
- كنااان اهدى محصلش اى حاجة انا كانت عينى
عليها
تمتم كنان بقسوة :
- ابن ***** مش عارف لازق فيها ليه اقسم بالله اطلع
بروحه قبل أن يرد
اقتربت بيلا بابتسامة لطيفة قائلة :
- نورت يا دكتور مبسوطة اوى انكم جيتوا يارب اليوم
يعجبكم
ارتسمت ابتسامة شاحبة وحده الله يعلم كيف يحاول
تمالك اعصابه :
- مبروك .. اكيد عجبنا
ابتسمت ثم انصرفت تلحق بصديقاتها وهو عينه مثبتة على تلك التى تجلس فى الخلف بمفردها شاحبة
قرر ضياء مشاكسته قائلًا :
- نقتله ونخلص
رفع حاجبه بشر قائلًا :
- السكينة تكون حامية
ماتخليش حد يشوف وانت بتقتله عشان حرام
متفصلش راسه عن جسمه غير لما يطلع الروح
ضيق ضياء عيناه متسائلًا :
- مش دية طريقة دبح ال...
قاطعه كنان بحزم قائلًا :
- ميفرقش عنهم
- اشطا انطلق انا
بعد ان ابتعد ضياء بمسافة ناداه كنان قائلًا :
- بقولك مش عايز دم كتير
ثم رمق مكانها وجده خالى بحث عنها بنظره وجدها تغادر
تنفس بحدة وتحولت ملامحه بغضب وقسوة
وهو يسير خلفها ليرى ما الذى يبرر لها فعلتها
*****
عاد لغرفتهم بعد أن انتظر ضياء وجدها تجلس على
الأريكة تطالع هاتفها ما أن انتبهت حتى نهضت
واقفة بارتباك فعلتها هذه اشعلت فتيل غضبه
فقبض على معصمها قائلًا :
- أااايه هى الهانم مالها ما كانت زى الفل وبيترش
ميه عليها على شاطئ الغرام، وكمان بيسحبها
معاه على اليخت مالك بقى وش الخوف ده
أيه؟! بقرون أنا
فقدت قدرتها على النطق فقط
تهز رأسها بالنفى وقطرات دموعها تغرق وجنتيها
حاول النطق ببعض الكلمات الغير مفهومة :
- ايدى، معرفش، انا ماليش دعوة ايدى، انا اتفاجأت
انا بخاف من الميه اصلًا
قلبه يضعف امام دموعها يخشى عليها حتى من
نفسه ترك معصمها، رفعت يديها تدلكه وهى تبكى
بحرقة :
- أنا ماكنتش عايزة آجى اصلًا، ماليش دعوة باللى
بيعملوا وهو اللى شدنى كده
اجابها بانفعال :
- هو ايه اللى يخليه يتجرأ ويعمل معاكى انتى
بالذات كده هاااااا
همست بصوت ضعيف متقطع :
- مش عارفة .. انا مالى معرفش
اندفعت تفتح باب النافذة الكبيره التى تطل على البحر
وجلست على كرسى خشبى صغير وهى تغطى وجهها
بيدها
لم يحرك ساكنًا بل ظل ينظر لها من بعيد وقلبه يثور
عليه ويتمرد لكن عقله يؤيد ثأر كرامته
فهو كان ينوى الصراخ عليها ربما صفعها لكن
بعد ما رأى حالتها يريد فقط ضمها إلى احضانه
بعد صراع مع نفسه قادته خطواته للخارج يجلس
على المقعد الخشبى الآخر وهو يطالعها
اما هى كانت ساكنة تطالع امواج البحر
وداخلها يتألم بسبب الكلمات التى بصقها فى وجهها لا تعلم لما كلماته جرحت كرامتها هكذا، فهى دائمًا تحاسب على ذنب لم تفعله حتى أنها هى من دفعت ضريبة نزوة والدها وطمعه وضريبة أم أرادت أن تكمل حياتها على حسابها تشعر بخواء روحها، ارهقها دور الفتاة القوية
تود ان تصرخ من قسوة العالم عليها لماذا هى
عليها أن تتحمل اهانة الاخرين
مضت الدقائق عليهم فى صمت تام، نهضت واقفة
فحدثها مسرعًا :
- كيان لو سمحتى اقعدى
وقفت مكانها رفع نظره مرة اخري قائلًا :
- اقعدى
جلست ثانية، ونظرت له بطريقة اول مره قلبه يختبرها
منها نظرة معاتبة كطفلة لأبيها حدثها :
- اى حد مكانى كان هيعمل كده
ابتسمت بتهكم وسط دموعها التى مازالت تهطل
فهو يتحدث وكأنه زواج حقيقى وأن غيرته على
زوجته واجبة هزت رأسها قائلة :
- هو اللى عمل كده ومعرفش ليه ؟!
ايه اللى يخليه يتجرأ معرفش ممكن شافنى واقفة لوحدى
بس الأكيد إنى تعبت .. تعبت اشيل ذنب مش ذنبى
شلت ذنب الكل وماحدش فى الدنيا فكر فيا لحظة
تعبت من التعب والوجع .. من إنى افضل لوحدى
اتحمل ذنب رد فعل أى حد
دخلت فى نوبة بكاء مرير وشهقاتها كانت تشق سكون
الليل، سهام تخترق فؤاده نهض من مكانه يجلس
بجوارها على المقعد الخشبى الصغير يضمها إلى
صدره ويهدئها زافرًا بحنق ناقمًا على نفسه لما أوصلها
إليه اما هى تشعر وكأن حضنه كقطعة الثلج التى
تثلج نيرانها تشبثت به أكثر وهى تكتم شهقاتها بصدره
فجأة كان الاثنان يقعان أرضًا بعد أن انكسر المقعد
الخشبى ولم يتحملهم انفجر هو ضاحكًا وهى كانت
تبتسم من بين دموعها، ساعدها على الاعتدال وهو
ينفض الرمال عنها، شعرت بلمساته تخترق روحها مما جعل
جسده يتشنج تحت لمساته
*****
- انتى كنتى بتكلمى مين يا بيلا
كان هذا سؤال والدتها وهى تقف خلفها اجابتها بيلا
- ده ضياء بيسأل الفرح امتي قولتله الساعة ٣ هيبتدى
ابتسمت والدتها هامسة بحب :
- ضياء شاب هايل لايقين اوى على بعض
تجعدت ملامحها بضيق قائلة :
- ايه لايقين دية ؟!
احنا اصحاب
برقت عين والدتها قائلة بحدة طفيفة :
- ايه اصحاب دية ؟!
ضياء واضحة مشاعره من ناحيتك للكل اذا كان كل اللى فى
الفرح بيقولوا خطيب بنتك من اللى هو عاملهُ معاكى
عينيه فضحاه انتى كده اسمك بتلعبى بيه يا بيلا
توسعت عيناها بصدمة من حديث والدتها واجابتها
بضيق :
- لا عادى انتى بس اللى بيتهيألك عشان عاوزة كده
لكن هو عادى وانا عادى .. لو سمحتى يا مامى
عايزة انام
تنهدت والدتها تهز رأسها بيأس قائلة :
- انا مش هتكلم بعد كده باباكى هو اللى لازم يتدخل
انصرفت والدتها وارتمت هى على الفراش خلفها تنحب
قائلة :
- عارفة كل ده بس مش من حقى حتى افرح يومين
استحالة بالذات ضياء يعرف مش هستحمل يسيبنى
هو او حتى استحمل نظرة شفقة من عينيه كله إلا
كده
جففت دموعها قائلة :
- كل شئ بعد الفرح يتظبط
*****
يجلسوا على الرمال وامامهم البحر بكامل سحره
لكنه مثبت نظره عليها هى الساحرة بكل ما بها
من حزن واغواء وبراءة سألها فجاءة قائلًا :
- كيان قوليلى نفسك فى أيه ؟!
اشارت لنفسها ثم تنهدت تنظر امامها قائلًا :
- أنا نفسى ؟!
حاجات كتييير، نفسى ماحدش يعيش اللى عشتهُ
نفسى مفتحش الفيس القى انهم لقوا طفل امه رمته فى
الزبالة أو حطته فى كارتونه يتحمل غلطتها هى
وابوه لحظة متعة وضعف منهم يدفعوا تمنها العمر
كله فين العدل، نفسى قوانين تنهى الجواز العرفى
بين الأهل بحجة الاساس الإشهار .. انت عارف
فى واحده اتجوزت زى ماما كده بعقد عرفى
جوزها اتوفى حاولت توثق العقد العرفي ماعرفتش لجأت
لأهل جوزها قالوا تمام نوثقه بس شرط التنازل
عن الورث وغيره كتير محاكم الاسرة مليانة
ولا جوازات العرب ويمشوا وتفضل الام مش
عارفة تطلع لابنها شهادة ميلاد .. عارف الموضوع
يبان من بره ايه التفاهة دية هى البلد هتسيب
كل البلاوى اللي وراها عشان تشوف الهبل ده .. بس ابدًا
والله احنا اغلبنا هنفضل مرضى نفسيين ليوم
الدين، يعنى لو فى قانون ماكانش فى عيال
فى الملجأ من غير اهل لما يكبروا هيطلعوا
ايه... فى كتير منهم هيضيع ويبقى قاتل، سارق،
متحرش هيبقوا جانى ومجنى عليهم في نفس الوقت
يسمعها بقلب يأن اقسم بداخله أن ما تتمناه سيحققه لكن ماذا يفعل هو فى ذلك ابتسمت بألم قائلة :
- مملة أنا
هز رأسه بالنفى قائلًا :
- ابدًا، ماتيجى ننزل المية
- لأ لأ انا بخاف استحالة انزل المية
التفت لها وعيناه تطمئنها أنه هو امانها فقال بحنو وهو ينهض واقفًا ويمد يده يجذبها معه :
- متخافيش وأنا معاكى
شعرت بدفء كلمته وصدقها نظراته اخترقت ثنايا روحها
سارت معه كطفلة مطيعة وما أن لمست المياه قدمها
تراجعت للخلف تشد على يده بخوف :
- بلاش بلاش ياكنان انا خايفة
لمسات يديها ونطق حروف اسمه من بين شفتاها بعثرت
ثوابته اكثر فسحبها معه للمياه اغمضت عيناها برعب
وفتحتها كانت المية تغطى نصف جسدها تشبثت
بقميصه اكثر فقال :
- سيبى نفسك واستمتعى بالمية
- لأ هغرق يلا نطلع
همس بخفوت قائلًا :
- ده أنا اللى غرقت
فجأة شبك يديه معًا خلف ظهرها كحصن لها وباتت
انفاسه تلفح وجهها انتفضت هى بين يده تشعر برعشة تسرى فى جسدها قلبها يخفق بجنون وانفاسه تحرق بشرتها فابتسم هو قائلًا :
- كده مش هتغرقى ممكن تسيبى نفسك فى المية متقلقيش
رفعت عيناها إليه وسألته بصوت مجهد :
- مش هتسيبنى
هز رأسه بالنفى وزاد من ضمها إليه قائلًا بنبرة ذات مغزى:
- استحالة يا كيان اسيبك
تناست كل شئ وقررت تسرق لحظات من الزمن معه
ستظل ذكرى لها مدى الحياة ضحكت وهى تلعب
بيديها فى الماء :
- حلوة اوى
- انتى الأحلى
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه باستيحاء وهى تهمس :
- كفاية كده يلا نطلع
تابع حمرة خجلها ابتسم لها بحنو وانصاع لها وخرج
من المياه ..
****
- كيان هطلب أكل
تلك الكلمات نطقها كنان بعد أن اخذ حمامًا دافئًا
فوجدها نائمة على الفراش اقترب منها يمرر يديه
على وجنتها اغمض عيناه وهو يقسم أن كل شئ
سيتغير للأفضل دثرها بالغطاء وظل بجوارها
*****
فى صباح اليوم التالى
بدأت تتململ فى نومتها شعر بحركتها طالعها بحنو
ونهض مسرعًا يتمدد على الاريكة موليها ظهره
حتى لا يثير ذعرها، فرقت جفونها وجدت نفسها
مغطاة، انتفضت تتحسس ملابسها وضعت يديها
على رأسها وجدت نفسها بحجابها وثيابها كما هى
تنهدت بارتياح ثم جابت الغرفة بعيناها وجدته
نائمًا على الأريكة نهضت ترفع الغطاء مقتربة
منه تطالعه ببسمة صادقة، هى لا تعلم ماهية
شعورها نحوه، فهو حلم مستحيل بالنسبة لها
وليس كل ما يتمناه المرء يدركه، تنهدت بثقل
وتوجهت لحقيبتها تفتحها وتختار منها ما يناسب
اليوم ثم توجهت للمرحاض
دقائق وكانت تخرج من المرحاض بعد ان انتهت
من ارتدء ملابسها كل هذا وهو يشعر بها
فتح عينيه بتكاسل مدعيًا النعاس قائلًا :
- صباح الخير
- صباح النور
هى الساعة كام ؟!
رفعت معصمها تطالع الساعة قائلة :
- الساعة ١٢ والمفروض الفرح الساعة ٣
مط ذراعيه وهو يتثآءب وكأنه نام سنون وهو لم يغمض
له جفن ظل يراقبها طول الليل عقد حاجبيه :
- انت لابسة ورايحة فين كده ؟!
اجابته وهى تضع اشياءها داخل حقيبتها :
- الفرح
نهض واقفًا وهو يتوجه صوب المرحاض :
- هنفطر الأول
ضيقت حاجبيها متسائلة :
- اومال ايه نباتى دية ؟!
أيه اللى جرى ؟!
استدار لها ببسمة صادقة قائلًا :
- البركة فيكى من يوم ما شوفتك ونفسى اتفتحت
على كل حاجة
كست الحمرة خديها من مغزى كلامه قلبها ينبض بعنف
استدارت مولياه ظهرها مدعية البحث عن شئ فى
حقيبتها
بعد مرور نصف ساعة كانوا قد انتهوا من الطعام
فنهضت مسرعة صوب الباب فاوقفها مناديًا قائلًا :
- كيان لو سمحتى خليكى بعيد عن طاهر عشان
ميبقاش فى فرصة لأى احتكاك
هزت رأسها كطفل مطيع
*****
الشاطئ مزين بورود صديقات العروس جميعهم
يرتدوا نفس اللون حتى بيلا ترتدى فستانًا طويلًا
يرسم منحيات جسدها ببراعة ورفعت شعرها
للأعلى اقترب منها قائلًا :
- العروسة قمر
التفتت له بابتسامة جعلت قلبه يهوى بين قدميه
- انا مش العروسة
غمز لها بطرف عيناه قائلًا :
- هو فى عروسة غيرك هنا متحاوليش تقنعينى
انا مش ابن امبارح
قهقهت ثم اجابته :
- لا ما هو باين عليك
اتسع بؤبؤى عيناه بصدمة:
- قصدك إنى كبير فى السن
نظرت امامها على العروسة وابتسمت نصف ابتسامة
قائلة :
- مش اوى
التو فمه وهو يتمتم بتهكم :
- اقولك عروسة تقوليلى كبير فى السن
انتهى حفل الزفاف وكل يستعد للرحيل وهى
تتجنب طاهر كل هذا تحت نظرات كنان الذى
كان يجلس على فوهة بركان نشط
توجهت صوب مطبخ الفندق فوجدت شخص
كبير فى العمر يبدو انه فى العقد الخامس من
عمره يتجول فى المطبخ فقطبت حاجبيها وهى تسأله :
- حضرتك عايز حاجة ؟! انا اقدر اساعدك
زلزال ضرب كيانه فهى فولة وانقسمت نصفين نسخة
مصغرة من اخيه اصبحت اقدامه كالهلام اهتز
فى وقفته فاسرعت تسانده قائلة :
- حضرتك كويس
هز رأسه بالايجاب قائلًا :
- بخير الحمدلله .. انتى شغالة هنا
- لا مش شغالة
سألها ثانية :
- اسمك ايه
قطبت حاجبيها لكنها جاوبته :
- اسمى كيان عاصم
اغمض عيناه بألم يود أن يضمها لصدره لكن يبدو
من هيئتها أنها تنعم بحياتها فابتسم لها بحنو ابوى :
- كيان اسم حلو اوى عاشت الاسامى يابنتى
- اقدر اساعدك ازاى انا لازم امشى دلوقتى ادور على
دكتور هنا طيب
اخرج تنهيدة حارة على حظ اخيه العاثر يملك ابنة
كهذه ولا يعلم عنها شئ رفع بصره قائلًا :
- انتى ساعدتينى خلاص
*****
استقل طاهر سيارته فقد قرر زيارة صديقه فى احد الفنادق
القريبة قبل نزوله القاهرة، جلس فى بهو الفندق ينتظر
نزوله، لكنه شعر بنزول صاعقة من السماء عليه
كنان وكيان معًا كيف توجه للاستقبال يسأل عنهم علم
انهم نزلاء غرفة واحدة، لجمت الصدمة لسانه وعجز
عن الرد دقائق وكان كنان يخطو بخطواته خارج الفندق
وجدها فرصة وبعد أن علم رقم الغرفة بصعوبة
طرق الباب ثوانى وكان يطالع وجهها بمنامتها
ابتلعت ريقها الذي اصبح كالحنظل شحب وجهها وفرت منه الدماء :
- طاهر!!!!!
اردف طاهر بحدة قائلًا :
- ايه الهانم اللى عاملة كيوت وبريئة اتكشفت
على حقيقتها وقد ايه هى واحدة سهلة ورخيصة
تساقطت دموعها بغزارة وحرقة هزت رأسها بألم قائلة :
- لو سمحت اسمعنى
طالعها بنفور واشمئزاز وكأن قلبه يحترق :
- اسمع ايه هااا.. اسمع ايه غير اللى شوفته
بس يا ترى بقى بالليلة ولا بالأسبوع
رفعت كفها لتصفعه بسبب كلامه لكنه قبضة على
معصمها وهو يدفعها للداخل واغلق الباب خلفه
فسقطت ارضًا تبكى قهرًا وهى تسرد ما عاشته :
- أنا مش كده كل حاجه فى حياتى محصلتش بارداتى
انا كنت تحت رحمة الظروف عمرى ما اخترت حاجة
انتهت من سرد قصتها المأساوية وهى شهقاتها تعلو وهو يقف مكانه كالمصعوق
كيف تحملت كل هذا بمفردها حتى أن كنان ايضًا
استغل ضعفها، يشد خصلات شعره يكاد أن ينزعهم
من منبتهم، حاول الاقتراب منها لتهدئتها لكنها تراجعت
للخلف برعب اغمض عيناه بقهر على ابنة عمه وما عاشته
فقال :
- أنا اسف صدقينى أنا اسف بس كل حاجه هتتحل
لو سمحتى ممكن تقومى
طالعته وهى تكتم صراختها فى حلقها قائلة :
- لو سمحت مش عايزة حد يعرف حاجة واتفضل
اطلع بره دلوقتى
علت وتيرة انفاسه ثم قال بألم :
- متقلقيش وكل حاجة هتتحسن
↚
بعد مرور يومين
عادوا جميعهم إلى القاهرة وقد اقترب موعد الافتتاح
اخرج ضياء زفرة طويلة نابعة من اعمق رئتيه
لاحظ كنان ذلك الذى لا ينفك من الضجر وهو يطالع
هاتفه فقال له :
- فيه أيه فى الفون ما خليك عامل كده
ألقى الفون على مكتبه يتنهد بثقل لم تطل فترة
معرفتهم ببعض، لكن كانوا يقضوا معظم يومهم معًا
كان يرى الحب فى مقلتيها اعتدل فى مقعده يقول :
- مش عارف بيلا مش بترد من ساعة مارجعنا
ضيق كنان عيناه قائلًا :
- من ساعة ما رجعنا أيه دول هما يومين يعنى
عادى وممكن تكون تعبانة من السفر او ضغط الشغل
اجابه بارهاق :
- للأسف ياريت كده روحت امبارح المكتبة لقتها
موجودة ولما سألتها قالتلى كانت نايمة لما مردتش
على اتصالاتى ومفيش خمس دقايق وقامت عشان
رايحة زيارة لبنت خالتها
زم كنان شفتاه وكأن الحديث اصاب جرحه هو ايضًا قائلًا :
- أنا كمان كيان فيها حاجة غريبة غير اللى سافرت معايا مش عارف فى ايه
ابتسم ضياء بتهكم قائلًا:
- حتى فى دية حظنا زى بعض...
بس يا كنان ممكن تكون كيان نفسها فى فستان ابيض
وطرحة بعد ما شافت العروسة ومتنساش
طريقة جوازكم اللى هو مازال سر اصلًا
أومأ له مؤكدًا لحديثه مردفًا :
- كلمت ماما الصبح وهى جاية اخر الاسبوع
وبفكر اعلن عن يوم فرحنا فى الافتتاح أيه رأيك
- مبروك يا كنان ولا عمرى كنت اصدق هتتخطف كده
- مبروك انت كمان شكلها التوبة هتتقبل المرة دية
*****
تجوب غرفتها ذهابًا وايابًا عزمت امرها أن تقص له
ما سار معها ومعرفة طاهر بزواجها منه، ستطلب
منه الانفصال عند هذه النقطة شعرت بانسحاب
روحها
صدرها يعلو ويهبط وبداخلها يرتجف
لكن ليس هناك مفر، توجهت لباب الغرفة تفتحه وجلست على
الأريكة صوب الباب صامتة تراقب الباب بعينين
ذابلتين، بعد مرور وقت كان الباب يفتح ويدلف
للداخل انتفضت من جلستها تهرول إليه
كاد أن يفتح ذراعيه ويضمها لصدره حتى وقفت
على مسافة لا بأس بها تطالعه بعشق فقالت هى :
- كنان لو سمحت فى موضوع مهم عايزة
اتكلم فيه معاك ؟!
ابتسم كنان قائلًا :
- ده أيه الرضا ده عينيا ليك ياكيان هدخل
اخد دش واجيلك عشان انا كمان عايزك تمام
هزت رأسها بالإيجاب ثم قالت :
- أنا كمان فى حاجات هاجبها من السوبر ماركت من
تحت وهطلع بسرعة تكون اخدت الدش بتاعك
- تمام اتفقنا
*****
تجلس على الفراش وتضم ركبتيها لصدرها ودموعها
تسيل على وجنتيها وهى تشاهد شاشة الهاتف تضئ
باسمه لا تعرف كم مرة اتصل بها حتى الآن، قلبها
يتألم اعترفت لنفسها أنها وقعت فى حبه حتى النخاع
لكنها قررت أن تتجاهله لعله يرحل ويهجر هى لن
تتحمل نظرة شفقة منه هو بالاخص
لن تتحمل أن تتحول نظرات الحب بعيناه إلى شفقة
مدت يدها تفتح الدرج واخرجت شريط مسكن وتناولت
منه حبة مسكن فالصداع يفتك بخلايا عقلها
*****
- ايوه يعنى ايه يا بابا هنستنى أيه تانى ؟!
تلك الجملة قالها طاهر بحدة لوالده ثم تابع
- بعد اللى حكيتوا ده كله وتقولى نستنى نشوف
عمك لا مش هاستنى وهاروح اجيب كيان وابقى
خلى مرات عمى تقرب منها ساعتها انا اللى
هقف ليها ولعمى لكن انى اسيب كيان مع واحد
غريب مش هيحصل
وقف والده امامه قائلًا :
- طب ادينى فرصة لبكرة وانا هرد عليك
اغمض طاهر عيناه قائلًا :
- اخر ميعاد بكره مش هاستنى تانى
وما أن فتح الباب طالع هاجر رافعة احد حاجبيها
متسائلة عما يدور فى الداخل، لم يتمالك طاهر اعصابه
ولم يعد يتحمل وجودها الغير مرغوب فيه، وكل ما رآه امامه ما قامت به والدتها من سنين
صرخ بها :
- أيه فى أيه ؟!
أنت مالكيش بيت معندكيش دم اتفضلى امشى من
هنا كل حاجة متدخلة فيها ...انتى ده مش بيتك افهمى
وقفت تحدق به والدموع تشق طريقها لوجهها كتمت
صوت بكائها وهرولت من امامه بقلب منكسر
****
بعد أن جلبت ما ينقصها توجهت إلى مدخل البناية
وقفت امام المصعد ثوانى وانضمت تقف بجانبها
فتاة بشعر اشقر وعينين خضراوتين وتضع الكثير
من مساحيق التجميل، انفتح باب المصعد دلف
الاثنين سويًا فسألتها كيان :
- الدور الكام
اجابتها بابتسامة :
- ٧
فقطبت كيان مابين حاجبيها فهو نفس دور شقتها ربما تكون فى زيارة للشقة المقابلة ثم ضغطت على الرقم
طالعتها الاخرى باستغراب فتابعت :
- أنا جاية لخطيبى
هزت كيان رأسها بتفهم، ولما فتح الانسانسير سبقتها
هى بينما انحنت كيان تحمل الاكياس ثم خرجت
كان الباب يفتح وهما الاثنان معًا وقف كنان مدهوشًا
بينما نطقت بيسان :
- وحشتنى ياكنان
كان نظره مثبت على من تقف خلفها فاستدرات هى
ترمقها بتعجب، ابتسمت كيان وهى تمد الاكياس
له قائلة :
- طلبات السوبر ماركت حضرتك
↚
ما اقسى قلب يتألم ولا يجد له محتضن
****
اعارها الاذن الصماء، كل ما يشغل باله تلك التى رحلت
كيف تفعل هذا ؟ لِمَ لم تطالب بحقها به ؟!
أليس هو زوجها؟! داخله يتألم حتى ابسط حقوقها
لا تعترف بها، لوحت بيسان بيدها امامه قائلة :
- كنان انت مش معايا خالص
اجابها بنبرة خشنة قائلًا :
- انتى ايه اللى جابك ؟!
ليه متصلتيش وقولتى انك فى القاهرة ؟!
لوت فمها ثم اجابته بضيق :
- قولت الافتتاح قرب واعملك مفاجأة بس الظاهر
معجبتكش
تنهد بضيق قائلًا :
- لا بس انا هنا قاعد لوحدى وميصحش ممكن تروحى
ونتقابل بكرة كده احسن
توسعت عيناها من اسلوبه الفظ على غير العادة لكن صدقت كلامه قائلة :
- شكلك متوتر عشان الإفتتاح نتقابل بكرة
باى يا كنان
****
طرق على الباب نهض يهرول يفتح الباب طالعه وجه
ضياء بانتقاضة ضارية كان يقبض على تلابيبه قائلًا :
- انت ازاى تدى لبيسان العنوان هنا
انت بستعبط يا ضياء قصدك ايه بحركة زى دية
نفض ضياء يده عنه قائلًا :
- فى ايه انت اتجننت بيسان ايه انا هكلمها ليه ؟!
مفيش غير انطى نهلة اللى كلمتنى من يومين
عشان اطمنها عليك بس
انفاسه اصبحت ثقيلة صدره يعلو ويهبط بعنف
وهو يلتف حول نفسه :
- بيسان كانت هنا اكيد اخدت العنوان من امى
توسعت عين ضياء بصدمة قائلًا :
- بيسان كانت هنا طب وكيان
ايه اللى حصل
- كانت تحت بتجيب حاجات وطلعوا مع بعض فى
الاسانسير وكيان اول ما شافتها ادتنى الحاجات على
اساس انها تبع السوبر الماركت ومشيت ولسه
مرجعتش
اشفق ضياء على صديقه والحالة التى بها قائلًا :
- اتصل بيها طيب
اغمض كنان عيناه بقهر ثم حدثة بألم :
- مش معايا للأسف مش معايا رقمها
ثم تابع بلهفة :
- ضياء اتصل ببيلا هات الرقم منها
انقبض قلبه فورًا يشعر بنيران فى صدره فهو أيضًا يريد
سماع صوتها لكنها لا تجيب اخرج هاتفه من جيب سترته وقام بالاتصال يحاول مره تلو الأخرى
فرك وجه بيده قائلًا :
- انا كمان تعبت مش عارف مش بترد ليه عليا ؟!
طب كيان ممكن تكون راحت لحد من صحباتها
وضع وجهه بين راحتيه قائلًا :
- مالهاش حد، متعرفش حد
ثم تنهد بثبات زائف قائلًا :
- روح انت يا ضياء
ربت على كتفه قائلًا :
- خلينى معاك يا كنان لحد ما تطمن
- لا امشى انت
*****
تجلس هاجر على الفراش تنكمش فى نفسها، جسدها كان يرتجف مع كل شهقة، تدلك بيدها يسارًا اعلى القفص الصدرى لعلها تخفف من وجع قلبها، لم تصدق رد فعله الصادم، ابتسمت بتهكم على نفسها فهو لم يتقبلها
ابدًا، ظلت محتضنه ذاتها، طرق الباب ثم دخل
والدها حاولت تصنع الابتسامة، جلس والدها على حافة
الفراش قائلًا :
- بتعيطى ليه يا هاجر ؟!
هزت رأسها بالنفى قائلة :
- لا يا حبيبى انا مش بعيط
تنهد والدها قائلًا :
- انا وافقتك يا هاجر لما خالك جه عشان نرجع
نعيش هنا وانك تبقى قريبة منهم لما امك ماتت
مش عشان كلام عمك .. لا يا هاجر عشانك انتى واللى
فى دماغك بس لو هيجى عليكى لا يا بنتى
وانا اللى هاقفلك انا ميرضنيش وجعك ولا دموعك
قاطعته مسرعة بثبات وقوة زائفة :
- هو ايه اللى حصل لكلامك بس يا بابا
- انا مش هستنى يحصل اكتر من كده.. اسمعى فى
عريس متقدملك وانا موافق هيجى الاسبوع الجاى
وتقعدى معانا نشوفه وكفاية
ياهاجر كده
قال والدها كلمته بحزم بينما هى كانت تود أن تصرخ
باعلى صوتها من القهر
****
الساعة الثانية بعد منتصف الليل
مجرد فكرة انها غائبة لمنتصف الليل لا يعلم
عنها شئٍ جعلت النيران تشعل بصدره وتنهش قلبه
سيل من المشاعر تجتاحه غضب، خوف، قلق، ندم
عشق، يقطع البهو ذهابًا وايابًا روحه تحترق بالجحيم
من فرط قلقه عليها، سمع صوت سلسال المفتاح
فى الباب اقترب منها بخطوات سريعة وهو يقبض
على معصمها بقسوة قائلًا باضطراب:
- كنتى فين كل ده ؟!
انتى كويسه ؟! فى حاجه حصلتلك
بصعوبة الجمت لسانها من سؤاله لماذا لم تخبرنى ؟! لماذا ؟! لماذا قلبها يتألم هكذا تظاهرت
بالبرود ينافى حزن ووجع عيناها :
- كنت بتّمشى شوية، ايه فى ايه ؟!
حالة من الهياج العصبى اصابته قائلًا :
تتمشى الساعة بقت اتنين بعد نص الليل
كنتى بتتمشى فين لحد دلوقتى ها ؟!
تجاوزته وهى تمر لغرفتها قائلة بنبرة ذات مغزى :
- انا مش بطالبك باى مبررات وانت كمان لوسمحت
تلتزم بكده
قبل أن يصل إليها كانت تدلف إلى غرفتها وتغلق الباب
خلفها ترتمى على الفراش، انفاسها تختنق، الألم يعصف
بصدرها، كم تألم قلبها في هذه الحياة ظلت تؤنب نفسها
قائلة :
- انتى مالك ؟! خاطب ولا لأ ؟!
متنسيش نفسك كل الحكاية اتعاطف معاكى بلاش
طمع عايزة منه أيه هاا يعترف مثلًا بجوازك
مش لما يعترف ابوكى بيكى
اكملت بتضرع قائلة :
- قلبى وجعنى اوى يارب .. يارب ارحمنى تعبت
من كل حاجة يارب انا كنت عايشة لوحدى وراضية
زاد من الطرق على الباب قائلًا :
- افتحى ياكيان هنتكلم
اجابته بصوت متحشرج اثر البكاء :
- لو سمحت عايزه انام
ما ان وصلت نبرتها المتألمة الباكية جن جنونه يخبط
على الباب قائلًا :
- افتحى نتكلم افهمك كل حاجة افتحى يا كيان
لم يصله اى استجابة منها او رد ظل يحطم كل
شئ امامه، حتى نفذت طاقته وسقط على الاريكة
بارهاق ثوان وكان يغرق فى النوم
****
يستند على سيارته امام الشركة ينتظرها كى يعلم
سبب تجاهله هكذا ماذا فعل حتى أن اتصاله
لم تجيب عليه، اعتدل فى وقفته عندما وجدها
تصف سيارته ترجلت وجدته امامها يعقد ذراعيه
امام صدره متسائلًا :
- ممكن افهم ليه مش بتردي عليا؟
انا حصل منى حاجة ضايقتك ؟! فى ايه يا بيلا
صوت دقات قلبها تصم الاذان، قدميها اصبحت
كهلام حاولت الثبات مردفة :
- ضياء عامل ايه ؟!
اسفة بس مضغوطين اليومين دول، غير أني مرهقة
من السفر
يعلم أن جميعها حجج واهية ابتسم بسخرية قائلًا :
- وايه كمان يا بيلا فاكرانى عيل صغير مش
بفهم ماتقولى ايه اللى حصل لكل ده انطقى
نظرت حولها فى المكان ثم اجابته :
- انا شايفه انك محتاج تهدا، وعن اذنك عندى
شغل
انصرفت من امامه بقلب يأن من الوجع، بينما هو شعر
بقهر رجولته هل كانت تتسلى معه فقط ؟!
*****
فرق جفنيه بصعوبة وهو ويشعر بألألم يفتك بجسده
وضع يده على رأسه يشعر بألم توسعت عيناه عندما
وجد باب غرفتها مفتوحًا انتفض يبحث عنها
ولم يجدها فى الشقة كلها، ارتدى ملابسه سريعًا
وهبط يستقل سيارته سمع رنين هاتفه لكنه تجاهله، صدح رنين الهاتف ثانيةٍ اخرج من جيبه بغضب يجيب على الهاتف:
- ايوه ياضياء
انا رايح على الشغل بتاع كيان تعالى على هناك
لا رجعت امبارح سلام
اغلق هاتفه ووضعه فى جيبه، تحرك بسيارته يسابق
الريح وكأن الارض خلت من البشرية، بعد نصف
ساعة كان يقف امام مكان عملها صف سيارته
وتوجه مباشرة إليها، شعرت بفزع حين رأته امامها
عقب على فزعها بجملة واحدة :
- يلا معايا لو مش عايزة شوشرة وقلق هنا
طالعته بعدم تصديق فتابع بتحدى :
- تحبى تجربى ؟!
بصمت كانت تسير خلفه حتى وقف ضياء امامهم
فقال كنان :
- اركب يلا ياضياء خلينا نمشى
بعد مرور وقت تحدث ضياء وهو يخبط على تابلو العربيه قائلًا بحدة مصحوبة بالألم :
- مش فاهم ليه بتبعد عملت ايه انا سألتها كتير
مش بتجاوب بتحاول تتهرب منى وبس
لا تعلم لما شعرت أن السبب هو إعاقة بيلا
وأنه ليس لديه علم بها، وصل إلى مسكنهم
وكان يصف سيارته ترجلوا من السيارة
وقفت كيان تقول :
- انا عايزه اتكلم مع ضياء لوحدنا
- نعااااام
هكذا كان رد كنان بينما تدخل ضياء يهدأ الاجواء :
-عايزانى فى ايه يا كيان تحت امرك
- لأ لوحدنا، الموضوع يخص ضياء لوحده وبالأخص بيلا
قبض كنان على معصمها وبرزت عروقه :
- عايزه ايه ها ؟! اخرت اللى بتعمليه ده ايه ها ؟!
نزعت يديها منه بحدة وقف ضياء امامه قائلًا :
- خمس دقايق بس معلش عشانى أنا
انصرف بعد ان حدجها بنظرات نارية التفت لها ضياء متسائلًا :
- خيييير يا كيان مالها بيلا
فركت اصابعها بتوتر تتمنى أن لا تكون مخطئة
وتكون سببًا في انقاذ علاقتهم ابتلعت توترها تقول :
- انا عارفه انى ماليش حق اتكلم فى حاجة زى
دية بس مش عارفه ليه حاسة انها السبب
توسعت عيناه بتلهف مردفًا :
- قولى يا كيان بسرعة
تحمحمت ثم قالت بصوت مهزوز :
- إعاقة بيلا
- إعاقة!!!!
توسع فاه وعيناه معًا عن اى اعاقة تتحدث فهو لم يرى
فى جمالها فسألها مستفسرًا :
- اعاقة أيه ؟!
تنهدت وهى تقول :
- بيلا مركبه طرف صناعى لأن عندها بتر فى الساق
مازال تحت تاثير الصدمة، كانت على حق هو لا يعلم
قررت ان تتركه يستوعب الفكرة وتصعد :
- عن اذنك
****
مازال الباب مفتوح يقف فى انتظارها ولجت من الباب
تغلق الباب خلفها انتفضت وهو يقبض على معصمها بشدة نابعة من روحه المحترقة سحبها خلفه حتى
وقف فى البهو وعيناه مثل اللهب القاها بنظرة مستفهمة حادة :
- ممكن افهم ايه اللى حصل ده ازاى تقولى انا وضياء
لوحدنا هااا
جف حلقها ثم اجابته :
- فيها أيه يعنى ؟!
اقترب منها ويده تحاوط خصرها والأخرى تفك حجابها
قائلًا بنبرة عاشق متملك :
- فيها أنك مراتى وملكى انا لوحدى كيانى انتى
حجابك ده المفروض ميتلبسش قدامى انا جوزك
مصدومة من سيل اعترافاته يكاد يخرج قلبها من مرقده
ثبت نظره على شفتاها الخوخى التى حلم بتذوقهم
وفى ثانية كان ينقض عليهم بقبلة عميقة بربرية يروى
ظمأه ويثبت ملكيته لها والغريب انها كانت مستسلمة
لهجومه، مد يده خلف رأسها يثبتها
طرق على الباب بعنف جعلها تنتفض بين يده وتحاول
الهرب منه ابتعد عنها بصعوبة ومازال الطرق مستمر
بينما هى فرت بالهرب إلى غرفتها وقفت فى الزواية تنتحب لا تصدق كيف استسلمت له؟! كيف ضعفت هكذا ؟! هو لديه خطيبة
كيف كانت ستعيد ماضى والدتها قدميها كالهلام سقطت
ارضًا تضم ركبتها إلى صدرها وظلت تهز رأسها بهستريا
كيف قلبها عشقه، ظلت تفرك شفتاها بعنف حتى
كادت أن تدميها قائلة :
- الحب ده مش مكتوب على اللي زيك
بينما عند كنان ما أن فتح الباب الجمت الصدمة حواسه
ونطق اخيرًا :
- ماما ؟!!!!
لكزته بكتفه وهى تتجاوزه للداخل تجوب بعيناها
تبحث عنها حتى طالعت باب الغرفة الموصودة
هرول يلحقها حتى دون أن يغلق الباب :
- اه ماما يا كنان ولا كنت فاكر مش هاعرف اجى
واعرف اخبارك انت والهانم اللى شاقطها
امسكها كنان برفق من ذراعها قائلًا :
- ماما اسمعينى خلينى اوضحلك كل حاجة
نفضت يدها بحدة واندفعت تفتح الباب ولم يستطع
اللحاق بها وما أن فتحت الباب وجدها متكومة على
نفسها انخلع قلبه جث على ركبته امامها يمسح دموعها
قائلًا :
- كيان مالك ايه اللى حصل ؟!
هدرت به والدته قائلة :
- بلا مالها بلا نيلة .. بقى عشان عمارتهم اتهدت اللى ابوك كان شريك فيها تقوم تتجوزها، طب عوضها فلوس
مش جواز انا ابنى يتجوز واحدة مالهاش اصل
مشكوك فى نسبها
قاطعها كنان بحدة صارخًا :
- مااااااااما كفايااااااا
حاول ان يمسك وجه كيان إلا انها انتفضت واقفة
تمتم :
- تعويض العمارة اللى تهدت آآآآآه
- كيان اهدى انا كنت ناوى افهمك كل حاجة
اجابته والدته بحدة :
- تفهمها ايه ولا ايه طلقها مش ابنى اللى يتجوز واحدة
مالهاش اهل
جاء صوت من خلف يعنفها :
- مين دية اللى مالهاش اهل
كيان عاصم الكومى عز الجهينى
بنت اكبر تاجر دهب في الصاغه وانا ابن عمها طاهر حسين الكومى عز الجهينى
توسعت عين كنان قائلًا :
- انت ازاى دخلت ؟! وازاى ابن عمها ؟!
طالعه من ادناه لاعلاه :
- الباب كان مفتوح وعرفت من فترة من اسمها فى العقد
واتأكدت من كدة .. يلا كيان تعالى معايا
وقف كنان امامها وتحولت عيناه للاحمر القانى قائلًا :
كيان مراتى مش هتخرج من هنا
سحبته والدته وهى تهتف بحدة :
- مرات مين انت اتجننت
ابتسم طاهر بتهكم :
- شاطر اسمع كلام مامى
ثم انتهز طاهر فرصة انشغالهم وسحب كيان التى مازالت تحت الصدمة فقط تتحرك عيناها وقف كنان امامه قائلًا:
- مش هتخرج من هنا قولت
بدون مقدمات كان طاهر يلكمه فى وجهه فاختل توزاته
ووقع ارضًا ثم نهض يصرخ :
- كيان
تمت بحمدلله
خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇